السياسة الإيرانية بين صانع الأزمات وحارس البوابة
كتبت هدى رؤوف في “اندبندنت عربية”:
قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان في اجتماع لمجلس الخبراء، وهو هيئة رجال الدين المخولين انتخاب المرشد الأعلى لإيران، إن كل المحاولات الأميركية لوضع ترتيبات سياسية وأمنية جديدة في المنطقة من دون وجود طهران باءت بالفشل.
يتشابه خطاب عبداللهيان مع خطابات أخرى صرح بها المسؤولون الإيرانيون المحسوبون على كل من التيار المتشدد وما يسمى “التيار المعتدل” إذ إن المفردات ذاتها استخدمها من قبل الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد ثم وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف وآخر من نطق بها حتى الآن عبداللهيان. يشير ذلك إلى أن كل النخبة الإيرانية مهما اختلفت أجندتها السياسية وما إذا كانت منفتحة على الغرب أو منغلقة وتكن له العداء، فإن أعضاءها جميعاً يتشاركون الرؤية ذاتها لدور إيران وأهميته وضرورة بناء توافق وتعاون بين الغرب وطهران وبالأخص الولايات المتحدة. ومن ثم فإن السعي الإيراني إلى امتلاك قدارت القوة العسكرية والنووية يسير بموازاة مسار آخر يروج لأهمية ومركزية دور طهران في المنطقة ومن ثم ضرورة اعتماد الغرب على إيران لوقف عدم الاستقرار الإقليمي.
تناقض في المظهر تشابه في المضمون
وتعتبر النخبة الإيرانية نفسها الوصي الشرعي ليس فقط على المسلمين الشيعة بل على العالم الإسلامي، لذا سعت الأيديولوجية الثورية الإيرانية إلى استخدام شعارات “تعزيز الوحدة الإسلامية” وهو ما يروج له دائماً المرشد الأعلى علي خامنئي. أما في ما يخص مركزية دور إيران التي يروج لها المسؤولون الإيرانيون، فجاءت تصريحات عدة لظريف مشابهة لتصريحات وزير الخارجية الحالي التي تمت الإشارة إليها.
والمفارقة في التشابه بين موقفي ظريف وعبداللهيان تكمن في أن الأول يمثل الوجه الإيراني المتعاون مع المجتمع الدولي، بينما ينتمي الثاني إلى التيار المتشدد. ومع ذلك يتشابه مضمون حديث الرجلين في التأكيد على أهمية اعتراف الغرب بمكانة إيران كقوة إقليمية ومحورية دورها في حل صراعات الشرق الأوسط.
سبق أن اعتبر ظريف أن “البيئة الإقليمية المضطربة هي نتاج العلاقات المتدهورة بين إيران والولايات المتحدة وأنه لا بد للدول الأخرى من أن تقبل حقيقة دور طهران البارز في الشرق الأوسط وما وراءه والاعتراف بحقوق إيران ومصالحها الوطنية المشروعة ومصالحها الأمنية”، مضيفاً أن “ما يحتاج إليه الغرب هو تعديل فهمه لإيران والشرق الأوسط وتطوير فهم أفضل لواقع المنطقة والشجاعة لاغتنام الفرصة التاريخية للتفاهم مع إيران”.
يبدو جلياً أن تبرير أجندة السياسة الخارجية الإيرانية التي اتبعها ظريف ويسير على نهجها عبداللهيان، قوامه الأساسي مركزية دور طهران وضرورة تدخلها لدعم استقرار وأمن البيئة الإقليمية المضطربة على أن يتم ذلك بالتعاون مع القوى الغربية. إن السعي إلى الهيمنة يفترض توافر إدراك ووعي بالقيام بهذا الدور، لكن في المقابل لا بد من القبول الإقليمي لدور مميز لإحدى الدول والمطالب المترتبة على ممارسة هذا الدور. ومن مؤشرات القبول الإقليمي لدور الهيمنة، قبول الدول الأخرى في الإقليم مساعدة الدولة المهيمنة بدلاً من اللجوء إلى قوى خارج الإقليم، أو مطالبة القوة الساعية إلى الهيمنة بتحمل مسؤوليات أكثر في الإقليم، بخاصة في المجال الاقتصادي. أما على المستوى الاجتماعي، فقد تكون لدى الدولة الساعية إلى الهيمنة جاذبية ثقافية تتسم بها منتجاتها الثقافية ومؤسساتها التعليمية ويتجلى ذلك في هجرة القوى العاملة والعناصر البشرية إليها. لكن في الحال الإيرانية التي تسعى إلى تأكيد مركزية دورها، هناك غياب للتوافق على التوجهات داخل الإقليم في ما يتعلق بمشروعية دورها، ومن ثم تزداد احتمالات عدم الاستقرار. لذا تعد إيران في ذهنية وفي تصورات القوى الإقليمية الأخرى تهديداً للإقليم والأنظمة السياسية فيه بدلاً من كونها موفراً للاستقرار.
وتسعى إيران إلى تأكيد مركزية دورها والأخذ بمبادراتها أو الترتيبات الأمنية التي ترسمها من خلال التفاوض مع القوى العالمية حول طموحاتها الإقليمية والدولية، ومن ثم تقدم نفسها باعتبارها “حارس البوابة” gate- keeper ومن خلال هذه السياسة تقولب مساحات التأثير الإقليمي الخاصة بها، بحيث ترى نفسها الممثل الإقليمي الذي لا غنى عن مشاركته في حل الاضطرابات داخل الدول غير المستقرة بالشرق الأوسط التي ترجع اضطراباتها في الوقت ذاته إلى التدخل الإيراني بشؤونها.