القادة الموارنة بين قايين وهابيل
كتب نبيه البرجي في الديار:
«ليقل لنا كل من القادة الموارنة, من سمير جعجع الى جبران باسيل الى سليمان فرنجية الى سامي الجميل, من يريد رئيساً للجمهورية»؟الكلام لمرجع سياسي أمام بعض النواب المسيحيين الذين علّق أحدهم «ما علينا سوى العودة الى البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، اذ لو خرج قايين وهابيل من قبرهما، على ما بينهما لاتفقا. أما أن يتفق القادة الموارنة، فهذا رابع المستحيلات».
وحين طرح المرجع امكانية اختيار وزير سابق اتصف بالملاءة الأخلاقية والثقافية، كان تعقيب النواب «هل يتحمل هؤلاء القادة ملاكاً في القصر الجمهوري»؟
لكن اللبنانيين اختبروا من يوصف بـ»الرئيس القوي». في الجمهورية الأولى كان كميل شمعون الذي في عهده، اندلعت «الثورة»، وكان سليمان فرنجية الذي في عهده، اندلعت الحرب الأهلية. وفي الجمهورية الثانية كان ميشال عون الذي ذهب بلبنان وباللبنانيين الى… جهنم!
الآن أبعد بكثير من الصراع حول الكراسي الوزارية. الصراع حول الكرسي الرئاسي. من من الفرسان الأربعة، وقبل نحو شهرين من بدء المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس، وضع على الطاولة، أو على الشاشة، أو حتى على الورق، برنامجه لانقاذ ما تبقى من الجمهورية؟ وحين قال أحد النواب ان «هذه مشكلة أبدية في لبنان»، قال المرجع (ضاحكاً) «لا أتصور أننا سنكون في المستقبل القريب، أمام مشكلة انتخاب رئيس للجمهورية أو تسمية رئيس للحكومة. اذا بقي النازحون السوريون هنا، وحافظوا على تكاثرهم بذلك الايقاع المروع، سيكونون هم من يختارون، من بينهم، من يكون رئيس الجمهورية، ومن يكون رئيس الحكومة».
هذه نكتة أم هو الواقع حقاً اذا ما صحت المعلومات حول السيناريو اياه بالاعداد لانقلاب ديموغرافي، وانقلاب طائفي في لبنان، ويفضي الى تغيير دراماتيكي في الصيغة الفلسفية، والصيغة الدستورية، ناهيك عن تغيير المسار السياسي، أو المسار الاستراتيجي للدولة؟ جهات دولية واقليمية ترى أن المشكلة ليست فقط في الطبقة السياسية، بأخلاقية أكلة لحوم البشر، أيضاً بأولئك اللبنانيين الذين يأكلون بعضهم البعض. الشغوفون بالحياة لا يتقنون الدفاع عن الحياة.
في غضون سنوات يحل النازحون محل الرعايا، ويحل الرعايا محل النازحين. حل مثالي، ولكن ماذا اذا وقع الخيار على رئيس من النماذج الهمجية التي رأيناها ابان الحرب السورية؟ الآخرون اياهم ان اتفقوا يكون هناك رئيس للجمهورية، وان اختلفوا لا رئيس ولا جمهورية. اذاً، يقال لنا، انتظروا محادثات الدوحة وانتبهوا الى حساسية المكان..
لنتذكر لبنانياً ما حدث في الدوحة عام 2008 ، المؤتمر الذي أدى الى التوافق على اســم رئيس الجمهورية وعلى اسم رئــيس الحكومة، اضافة الى تكريس منطق المحاصصة (والثلث المعطل). كل ما لايمت بصلة الى الأصول الدستورية.
ثانية… يمكن أن تكون الدوحة مكاناً لاختيار رئيس الجمهورية، ولترسيم الحدود البحرية، وحتى لصياغة خارطة الطريق للسنوات المقبلة. لكن وكالة تسنيم الايرانية نسفت هذا الرهان، لتعلن انتهاء المحادثات بسبب التشابك بين الخطوط الحمراء لكل من الجانبين، وان كان قد لوحظ أن معلقين أوروبيين قد تساءلوا عن واقعية المحادثات في الوقت الحاضر، وحين يسعى الأميركيون لفرض رؤية جديدة للنظام العالمي، تكرس الأحادية الأميركية في ادارة الكرة الأرضية.
لبنان، في هذه الحال، كامتداد للصراعات الراهنة، يبقى بين خيوط العنكبوت. المنظومة السياسية أعجز بكثير، ليس فقط من القيام بالاستحقاقات الدستورية، أعجز من الدخول الى عمق الأزمة بابعادها السياسية والطائفية والمالية والاقتصادية. على الأقل تشكل حكومة تتولى ادارة الأزمة وان من… ثقب الباب.
الى اشعار آخر غابة من علامات الاستفهام. كنا نتمنى، من أجل لبنان، أن يفعل الرئيس ميشال عون مع الرئيس نجيب ميقاتي، ما فعله من أجل فرنسا، ومع اندلاع الحرب العاليمة الأولى، ريمون بوانكاريه حين وقع على الورقة التي حملها اليه جورج كليمنصو (باسماء أعضاء حكومته) دون أن يقرأها.
لكنه لبنان بلد الأحلام الكبيرة، والسياسات الصغيرة…