إعادة تموضع سعودي في «الوقت الضائع» بانتظار تطوّرات الإقليم
كتب ابراهيم ناصر الدين في “الديار”:
بعيدا عن المحاولات البائسة من قبل بعض المسؤولين اللبنانيين لاظهار «الدونية» في علاقتهم مع المملكة العربية السعودية من خلال كيل المديح والاطراء المبالغ بهما للسفير الوليد البخاري بعد عودته «الميمونة» الى بيروت فاتحا باب دارته في اليرزة لافطارات تحولت الى نوع من العلاقات العامة لابراز حضوره على نحو «فلكلوري»، لم يتمكن اي من الذين التقوا السفير في جلسات خاصة من فهم طبيعة المراجعة السعودية للعلاقات مع لبنان، فهل ثمة اقرار بالاخطاء المرتكبة واليوم ثمة «خارطة طريق» جديدة لترميم الجبهة المناهضة لحزب الله؟ لماذا جمدت العلاقات ولماذا عادت «الامور الى مجاريها»؟ هل من ضمانات جرى تقديمها للمملكة بتغيير سلوك بعض اللبنانيين اتجاهها؟ وما هي الاستراتيجية السعودية الجديدة في لبنان؟
هذه الاسئلة لم يبادر اي ممن التقوا البخاري الى طرحها، لان اجندة اللقاءات يفرضها الجانب السعودي من خلال مقدمة سردية للسفير يحدد من خلالها بدقة متناهية طبيعة دوره في هذه المرحلة، ويطلب على نحو لا يخلو من «الكياسة» بعدم احراجه بطرح ملفات لا يملك اجوبتها اقله في المدى المنظور، لكن مصادر سياسية بارزة، تؤكد ان الثابتة الوحيدة حتى الان هي عدم وجود اهتمام سعودي مباشر بالملف الانتخابي، مقابل التشديد على مد يد العون للمؤسسات الصحية والتربوية والإنسانية في لبنان، تحت «شعار» مساعدة «الاشقاء» اللبنانيين على تخطي الازمة الصعبة، ولكن بالحد الادنى، دون ارتقاء المساعدات الى مرتبة ايجاد مخرج للازمة المالية والنقدية على شاكلة ما حصل مع مصر مؤخرا حيث سارعت المملكة لرفد القاهرة «بوديعة» في المصرف المركزي.
هذا السيناريو ليس واردا في هذه اللحظة السياسية الملتبسة على الساحة اللبنانية، بحسب تلك الاوساط، لكن الجديد ان الرياض تتجه في المرحلة المقبلة الى تغييرات منهجية في التعامل مع الملف اللبناني من «بوابتين» الاولى عدم العودة الى الرهان على ادوات محلية سبق واثبتت فشلها في حماية مصالح المملكة، واهدرت مليارات الدولارات خلال السنوات القليلة الماضية، ولهذا يجري تحضير الارضية لاستنساخ الاستراتيجية الاميركية في التعامل مع الجيش لتطبيقها على مؤسسة قوى الامن الداخلي، ويبدو ان السعوديين معجبين بتجربة العلاقة بين المؤسسة العسكرية وواشنطن، وهم بصدد دراسة جدوى الاستثمار او «الرعاية» في المؤسسات الامنية التابعة «للداخلية» من خلال تقديم دعم مالي، وتدريبي، ولوجستي، وللمملكة علاقات متينة مع قياداتها الامنية الموجودة في رأس الهرم القيادي، لكنها تبدو حريصة على ابقاء وزارة الداخلية بيد «امينة»، بابقاء العرف الحالي الذي يمنح هذه الوزارة للطائفة السنية، وكان لافتا خلال الافطار الذي خصصه البخاري قبل يومين لوزراء الداخلية السابقين اهتمامه بتفاصيل الازمة التي تمر بها الاجهزة الامنية التابعة للوزارة!
هذا الاهتمام السعودي في ايجاد مقاربات جديدة للتعامل مع الملف اللبناني ينسحب ايضا على الاستراتيجية المالية حيث ترغب الرياض في تكرار النموذج المصري ايضا، ولكن ليس من خلال العودة الى منح لبنان اموالا كودائع في المصرف المركزي، وانما في الدخول بعمليات استثمار او شراء او مشاركة في «اصول» الدولة عبر الصناديق الاستثمارية السعودية في ظل توقعات باضطرار الحكومة اللبنانية الى عرض ممتلكاتها قريبا «للتسييل» للمشاركة في سد الفجوة المالية التي تسببت بالانهيار الاقصادي والتي قد تتجاوز الـ 80 مليار دولار اذا لم يوقف الانحدارالان.
وفي هذا السياق، لاحظ زوار مقر السفير السعودي ان المملكة تتعاطى مع الاستحقاق الانتخابي كأنه بات وراءها، ولا تعتبره محطة مفصلية، كونها غير معنية في «مقارعة» احد، اي ليست «معركتها»، وهي لم تبدل قناعتها بان «الاليات» الديموقراطية اللبنانية غير قادرة على احداث التغيير المنشود، وكل حلفاءها يخوضون معركة اثبات الحضور في ساحاتهم لغايات واهداف محلية ضيقة، وكل الشعارات الكبرى المطروحة حول نزع سلاح حزب الله او استعادة الشرعية تبقى «لزوم» شد العصب الانتخابي لتحصيل نائب بالزائد بعدما باتت خريطة المجلس النيابي المقبل شبه مكتملة وموازين القوى معروفة.
وهكذا، فان العودة الى بيروت مجرد «تكفير» عن خطأ اخلاء الساحة دون اسباب موجبة، بعدما ثبت بالملموس هزالة هذه الاستراتيجية التي اضعفت الحلفاء ومنحت الخصوم نقاطا مجانية، الان ثمة ترقب لما يحصل خارج الحدود اللبنانية وليس في داخلها، السعودية تعيد تموضعها بانتظار الاستحقاقات الاقليمية والدولية، العلاقات مع ايران وحدها ستكون «البوصلة» لتحديد الخطوات المقبلة، لا تعويل على التنسيق مع الادارة الاميركية الحالية التي تغرد بعيدا عن مصالح الرياض.
اما التزام رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بوقف كل الأنشطة السياسية والعسكرية والأمنية التي تمس المملكة ودول مجلس التعاون الخليجي، كتبرير لعودة السفير الى بيروت، فمجرد كلام لتامين «الغطاء» للتراجع السعودي، لانه في الاصل لا احد في لبنان قام بالاعتداء على المملكة، وحزب الله المعني الاول بالاتهامات السعودية لم ولن يقدم اي تعهدات بوقف انتقاد سياسات الرياض الخاطئة، ثمة اجماع على اننا في مرحلة انتقالية في الاقليم، «العين» على استحقاق رئاسة الجمهورية بعد اشهر وسط رهان على انقشاع «الصورة» حينها، ما سيؤثر حكما على هوية الرئيس الجديد، «معسكر» حزب الله يجري «شدشدة» «لبراغي» الحلفاء لايجاد ارضية داخلية صلبة تتيه له مرة جديدة التاثير المطلق في هذا الاستحقاق، والى ذلك الحين تقطيع الوقت سعوديا سيكون عبرحزمة مساعدات إنسانية ستصل من الصندوق الذي تشكل بالتعاون مع الفرنسيين، وعندما تنقشع الصورة اقليميا ودوليا، سلبا او ايجابا «عندها لكل حادث حديث»؟