“التوافق الوطني” على الترسيم البحري أوّلاً ثمّ الردّ على “الرسالة”

كتب سركيس نعوم في “النهار”:
قبل الجواب عن سؤال: ماذا ينتظر رئيس الجمهوريّة #ميشال عون كي يردّ على الرسالة – العرض بترسيم الحدود البحريّة بين لبنان وإسرائيل التي نقلها الموفد الأميركي الخاص آموس هوكشتاين لا بدّ من الاشارة إلى أنّ اجتماعاً عُقد بين الأخير ورئيس “التيّار الوطني الحر” النائب جبران باسيل في برلين قبل مدّة قد يكون رتّبه وزيرٌ سابق ونائب حالي يتولّى الاتصال بعيداً من الإعلام بالمسؤولين في واشنطن نيابة عن قصر بعبدا وسيِّده، كما عن “وليّ عهده” باسيل. طبعاً تناول البحث في البداية الترسيم وتعقيداته وموقف دولة لبنان من العروض التي ينقلها باستمرار من اسرائيل والمواقف الأميركيّة الدافعة في اتّجاه إنجاز هذا الموضوع الشائك من أجل مساعدة لبنان للإفادة منه في حلِّ مشكلاته الاقتصاديّة والماليّة والنقديّة المُستفحلة. أمّا بعد ذلك فقد طرح باسيل موضوع العقوبات الأميركيّة المفروضة عليه ونفى طبعاً أن يكون ارتكب ما يُبرّرها، وطلب من هوكشتاين المساعدة لإزالتها أوّلاً لأنّها غير مُبرَّرة، وثانياً لأنّها تُعقِّد مسيرته السياسيّة في هذه المرحلة الصعبة من تاريخ لبنان التي يمكن وصفها بالانتقاليّة سواء بين مجلس نوّاب تنتهي ولايته الدستوريّة قريباً ومجلس جديد موعد انتخاب أعضائه في الخامس عشر من شهر أيار المقبل، أو بين عهدٍ رئاسيّ ينتهي دستوريّاً في الثلث الأخير من شهر تشرين الأوّل المقبل وآخر جديد يُفترض أن يخلفه بعد انتخاب رئيسٍ جديد ضمن المهلة الدستوريّة. لا يمكن القول أنّ الموفد الأميركي أبدى تجاوباً سريعاً واستعداداً كافياً للخوض في موضوع رفع العقوبات. لكنّه لفت باسيل إلى أنّ هذا أمرٌ إداريّ يحتاج إلى الكثير من الوقت والبحث لمعرفة إذا كان يمكن رفع العقوبات لعدم وجود مُبرّرات فعليّة أو جديّة أساساً لها. وربّما يكون شرح له الطريقة القانونيّة الواجب اتّباعها للتخلّص من العقوبات. علماً أنّ آخرين من لبنان والخارج اتّبعوها فنجح بعضهم في تحقيق مُراده وأخفق بعضهم الآخر. أشار هوكشتاين في النهاية إلى أنّ الجهة الأميركيّة الوحيدة القادرة على حسم هذا الموضوع إيجاباً وفي سرعة وبعيداً من الإجراءات الإداريّة وتعقيداتها هي البيت الأبيض وتحديداً سيّده. وهو قطعاً لن يُبادر إلى تحقيق رغبة باسيل سواء في المطلق أو في سرعة لأنّها مرتبطة بقضايا عدّة وملفّات شائكة وبانتهاج لبنان سياسات داخله وفي المنطقة مؤذية للولايات المتّحدة ولحلفائها فيها. طبعاً أكّد هوكشتاين في نهاية اللقاء أنّه سيبذل جهداً لرفع العقوبات عن باسيل لكنّه لم يؤكّد أبداً قدرته على النجاح في ذلك.
أمّا أسباب تأخّر ردّ رئيس الجمهوريّة ميشال عون على الرسالة المُتضمّنة عرضاً لترسيم الحدود البحريّة بين لبنان وإسرائيل فأهمّها الحاجة إلى تأمين “توافق وطني لبناني” أي بين قادة المكوّنات اللبنانيّة أو الشعوب على خطّة الترسيم الواردة في الرسالة بعد درسها، كما بعد إدخال تعديلات عليها تحفظ مصلحة لبنان إذا كانت هناك حاجة إلى ذلك. ومن أجل تأمين التوافق المذكور دعا الرئيس عون إلى اجتماعٍ ثلاثيّ في قصر بعبدا ضمّ إليه رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي. في أثنائه أعاد الثلاثة درس موضوع الترسيم البحري مع إسرائيل في ضوء الرسالة التي حملها هوكشتاين، وأكّدوا موافقتهم على الترسيم لحاجة لبنانيّة واشترطوا أن لا تعقب ذلك خطوات تطبيعيّة مع إسرائيل. لكنّهم لم يدخلوا في تفاصيل العرض الذي تضمّنته الرسالة إذ كرّر الرئيس برّي تمسّكه بـ”اتفاق الإطار” الذي وقّعه في بيروت في حضور رسميٍّ أميركيّ باحتفاليّة رسميّة صغيرة في منزله في عين التينة، والذي نصّ على معاودة المفاوضات في الناقورة بإشراف أميركا وتحت علم الأمم المتّحدة. طبعاً “أطاح” برّي “التوافق الوطني” الذي أمِلَ هوكشتاين وربّما الرئيس عون في تحقيقه للإسراع في الاتفاق على خطّة ترسيم جديّة ومُنصفة للحدود البحريّة المُشار إليها. لهذا السبب سيستمرّ الموفد الأميركي هوكشتاين في الانتظار وفي عدم زيارة بيروت.
هل يُسهّل توصّل “مفاوضات فيينا” التي بدأت منذ عامٍ تقريباً أو أقل إنجاز تفاهم بين الولايات المتّحدة والجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة على إحياء “الاتفاق النووي” الموقّع بينهما عام 2015 والممهور أيضاً بتواقيع روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، هل يُسهِّل ذلك حلّ العُقد وتذليل الصعوبات التي لا تزال تحول دون #ترسيم الحدود البحرية المذكورة أعلاه وتالياً دون مباشرة لبنان العمليّة الطويلة للتنقيب عن نفطه وغازه ولاستخراجهما ثمّ لبيعهما؟ علماً أن البيع هذا يمكن أن يتمّ قبل الاستخراج ولا سيّما في حال ثبوت وجود هاتين المادتين بكميّات تجاريّة وكبيرة. لا شكّ في أنّ “إحياء النووي” يُسهّل الترسيم وربّما قضايا أخرى صعبة غيره. والمؤشّرات الكثيرة التي صدرت عن واشنطن وطهران والاتحاد الأوروبي المُشارك في فيينا وحتّى من موسكو كانت تؤكّد أنّ اتفاق الإحياء بشروطه صار جاهزاً. كما أنّ معلومات حلفاء إيران في لبنان والمنطقة كانت تتحدّث عن هذا الموضوع بالإيجابيّة المُشار إليها. لكنّ الحرب التي شنّتها روسيا على أوكرانيا وانشغال الغرب الأميركي الأوروبي الآسيوي والعالم كلّه بها قد يكون أثّر بعض الشيء على تحقيق هذا الإنجاز أو أخّره بعض الوقت. فروسيا ربّما لم تعد ترى لها مصلحة في ذلك. وإيران ربّما دفعتها هذه الحرب إلى الإصرار على مطلب آخر هو رفع “الحرس الثوري” عن لائحة الإرهاب الأميركيّة مع استمرار إصرارها على التوصُّل إلى اتفاق في فيينا. وهذا أمرٌ سيحصل لكنّ التكهنّ بتوقيته لم يعد سهلاً.