المعارك الانتخابية رئاسية لبعضهم ووجودية لآخرين
سابين عويس – “النهار”
ستة أسابيع صعبة تنتظر #لبنان قبل أن تُحسم آفاق المرحلة المقبلة على ضوء أي سيناريو سيسلك طريقه نحو استحقاق الخامس عشر من أيار المقبل. هل تنجح البلاد في الوصول الى هذا الموعد بأقل الأضرار الممكنة فتتم الانتخابات في موعدها، وتنبثق عنها سلطة جديدة، معروفة تقريباً ملامحها، ما لم تطرأ عليها بعض المفاجآت المستبعدة، ما دامت الأكثرية الحالية ستعيد تكوين نفسها، أم يسقط الاستحقاق في فخاخ التأجيل والتمديد، مع كلّ ما سيرتّبه من فوضى وفراغ سيتركان تداعياتهما على الاستحقاق الرئاسي المنتظر بعد بضعة أشهر؟
مهما تكن الفرضيات المتصلة بالاستحقاق النيابي المقبل، بات من الواضح أن البلاد ستدخل اعتباراً من بعد غد، الموعد الأخير لتسجيل اللوائح، حمأة الانتخابات، خصوصاً أن أيّاً من اللاعبين الأساسيين لن يكون في وارد عدم الانخراط في الحملات الانتخابية، والتسويق لشعاراته السياسية، حتى لو كان على يقين بأن حظوظ حصول الانتخابات تتساوى مع احتمالات عدم حصولها.
وبناءً على ذلك، سيتراجع الانشغال بالعناوين السياسية المطروحة على صعيد المواجهة المصرفية القضائية، والمسار القضائي ضد حاكم المصرف المركزي، كما على صعيد المفاوضات الحكومية الرسمية الجارية للدخول في برنامج مع صندوق النقد الدولي، والإصلاحات التي يطالب بها كمكوّنات أساسية لأيّ برنامج. والسبب أن أياً من القوى السياسية ولا سيما تلك التي في السلطة، ليست في وارد الخوض في أي نقاش أو السير في أي قرارات أو إجراءات غير شعبوية من شأنها أن تؤثر في مزاج الناخبين على مسافة أسابيع قليلة من اليوم الكبير. وهذا ينطبق على الملف القضائي الحاكم الذي سيظل مفتوحاً واسعاً، خصوصاً أن هذا الملف يشكل مادة انتخابية دسمة، ولا يمكن تركه لمساره القضائي وعدم استغلاله بالسياسة، علماً بأن المتنافسين على تبوّء المنصب الأول في السلطة النقدية كثر ولن يألوا جهداً في الدفع نحو إقالة الحاكم والتقدّم لملء المركز. الأمر عينه ينسحب على مشروع قانون فرض القيود على التحويلات أو “الكابيتال كونترول” الذي نعاه “حزب الله” أمس بصيغته المقرّة في مجلس الوزراء، رغم أنه مطلوب من صندوق النقد. ولا يُستبعد أن يؤدّي الضغط لإقراره الى تفريغه من مضمونه، أو توجّه الحزب وإلى جانبه رئيس المجلس الى إضافة ما يصون حقوق المودعين، بحيث يصبح إقراره ورقة رابحة في صندوق الاقتراع.
وتراجُع الانشغال السياسي بالملفات الداخلية، سيتزامن مع تقدّم الاهتمام بموعد الخامس عشر من أيار، وما سيحمله من نتائج يُفترض أن تبلور التوزّع الجديد لميزان القوى، لا فقط على صعيد من سيحافظ على موقعه أو من قد يربح أكثر، وإنما الأهم من سيخسر أكثر أو يكون الخاسر الأكبر. فالاستحقاق سيرسم خريطة الطريق نحو الاستحقاق الذي يشغل الجميع، وهو الانتخابات الرئاسية التي بدأت معركتها منذ زمن، وقد آن الأوان اليوم لإنضاج معالمها.
وإن كان هذا الاستحقاق يشغل الوسط المسيحي المتنازع بين مرشحين يحاولون اقتناص الأولوية في السباق نحو بعبدا، يبدو على ضفة “حزب الله” بمثابة معركة وجودية تشمل استمرارية للمعركة النيابية الرامية في الدرجة الأولى الى تثبيت النفوذ من جهة والشرعية الميثاقية من جهة أخرى.
لا يبدو الخارج بعيداً جداً من هذا الاستحقاق الذي يواكبه باهتمام مماثل للاهتمام بالاستحقاق النيابي. وقد شكلت الحركة الديبلوماسية الأخيرة على خط باريس الرياض محطة مهمّة لاستعراض الشخصيات المرشحة من جهة أو المستبعدة من جهة أخرى. وكان لافتاً أن هناك قراءات أو مقاربة متقدّمة في التعاطي مع الأسماء المرشحة وفي تقييمها، من دون أن يتوضّح ما إن كانت مثل هذه المقاربة بنّاءة وتصبّ إيجاباً في رصيد المرشحين.
ولكن يسبق الاهتمام الخارجي بالرئاسة اللبنانية انشغال بالاستحقاق النيابي على قاعدة اقتناع غربي وتحديداً فرنسي بضرورة إجراء الانتخابات في موعدها، وعدم إفساح المجال أمام أي عوامل من شأنها تطييرها والذهاب بالبلاد نحو الفوضى، خصوصاً أن خيار التمديد للمجلس النيابي سيؤدّي حكماً الى الفراغ وتالياً الى الفوضى، في ظلّ قرار كتلة “المستقبل” النيابية الاستقالة من المجلس إذا بلغت الأمور هذا الحدّ.
وفي الجيب الفرنسي قرار حاسم بالسير بالعقوبات إذا تلكّأت السلطات اللبنانية عن إجراء الانتخابات. والقوائم باتت جاهزة في انتظار ساعة الصفر!