شكل العلاقات الإيرانية – الأميركية بعد إحياء الاتفاق في عهد بايدن
كتبت هدى رؤوف في “اندبندنت عربية”:
مع كثرة التوقعات بقرب إحياء الاتفاق النووي بين إيران والغرب، يُثار تساؤل حول مستقبل العلاقات بين إيران والولايات المتحدة. فعلى الرغم من كون العلاقة بين البلدين منذ تأسيس النظام الإسلامي الإيراني تتسم بالعدائية، إلا أن الطرفين تمكنا في بعض الفترات من التعاون في الملفات التي مثلت مساحة تلاقت فيها مصالحهما. ولا أدلّ على ذلك من التعاون بين طهران وواشنطن بشأن العراق أحياناً وأفغانستان خلال إدارة جورج بوش الابن والمحافظين الجدد والرئيس الإيراني السابق المتشدد محمود أحمدي نجاد. ومن ثم، بعد الانتقال من سنوات شديدة العداء خلال فترة حكم الرئيس السابق دونالد ترمب، هل سيعني الإعلان عن إحياء الاتفاق النووي بدء مرحلة جديدة من العلاقات بين طهران وواشنطن خلال إدارة جو بايدن؟
ربما الإجابة عن التساؤل حول شكل العلاقة بين الطرفين في مرحلة ما بعد الاتفاق تتطلب الوقوف على أهداف السياسة الخارجية لكل منهما من جهة ورؤية كل منهما للآخر.
بالنظر إلى إدارة بايدن وأولوياتها والتي حصرت مصادر تهديد الأمن الأميركي في الصعود الصيني وروسيا، ومع الانسحاب المفاجئ وغير محسوب النتائج من أفغانستان، نجد أن الشرق الأوسط لم يعد أولوية للسياسة الأميركية وهو ما فهمته إيران أخيراً، وقد بُرهن ذلك من خلال تخلي بايدن عن التزامه بدفع إيران نحو اتفاق أشمل وأقوى من اتفاق عام 2015، بما يعنى تضمين أي مباحثات معها الملفات الإقليمية ومنظومة الصواريخ الباليستية. وبالوقوف على تطورات محادثات فيينا منذ بدئها حتى الآن، نجد أن الاتفاق الأشمل والأقوى في النوايا الأميركية، أصبح صورة مختزلة من اتفاق عام 2015 الأصلي.
باختصار، تعامل بايدن مع الشرق الأوسط باعتباره إيران، وتعامل مع إيران باعتبارها ببساطة قضية نووية. وتعي إيران أنها لم تعد على رأس قائمة الأولويات لهذه الإدارة، فإدارة بايدن تسعى إلى إدارة أزمة على درجة من الإلحاح في ما يتعلق بالمسألة النووية، ولكن بطريقة تهدف إلى الحد من انتشار الأسلحة النووية، ومنع إيران من إحداث نوع من الاختراق النووي.
حتى الوقت الراهن، لا يبدو أن لدى إدارة بايدن نهجاً شاملاً تجاه إيران، فقط القضية النووية لها الأسبقية، لكن الاعتبارات الإقليمية ومخاوف حقوق الإنسان في ما يتعلق بإيران، ليست ملحة تماماً من حيث ضغط الوقت لحلها، على الرغم من كونها حاسمة بالنسبة للمصالح الأميركية ومصالح حلفائها في المنطقة.
طالما أن الولايات المتحدة لم تتفاوض مع إيران حول سلوكها الإقليمي، ربما يتوجب عليها بناء إطار عمل مع شركائها وحلفائها حول المخاوف المتبقية في ما يتعلق بإيران حتى بعد إحياء الاتفاق النووي، على أن يكون الحوار مع الأطراف العربية والشرق أوسطية والأوروبيين حول كيفية الاستجابة وإدارة بعض التحديات الأخرى التي تطرحها إيران تجاه المنطقة.
فحتى الآن، يبدو لطهران أنه لا يوجد في الواقع ثمن يجب أن تدفعه، فلم يتم الضغط عليها لسلوكها في العراق، وتورطها في الحرب في اليمن وفي لبنان وسوريا. وهذه أهم التحديات التي قد تواجه المنطقة ويجب أن تكون هناك آلية للحل.
أما في ما يخص كيف ترى إيران علاقتها مع واشنطن بعد إعادة الاتفاق، فمن المعروف أن المرشد الإيراني والنظام في طهران قائم برمته على العداء تجاه الولايات المتحدة، بما يُعدّ جزءاً من هوية إيران. إنها إحدى الركائز الأساسية للأيديولوجية الثورية بالنسبة إلى المرشد والنظام. لذلك من غير المتصوَّر أن إحياء الاتفاق سيحسّن العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران، إجمالاً إن إحياء الاتفاق لن يغير مواقف إيران الإقليمية، سواء كان دعمها لجماعات مثل “حزب الله”، والميليشيات الشيعية في العراق، ونظام الأسد في سوريا، والحوثيين في اليمن، والأهم من ذلك، موقف إسرائيل من إيران لن يتغير أي من هذه القضايا نتيجة إحياء الاتفاق النووي.
وفي ظل رغبة الولايات المتحدة في عدم الانخراط في شؤون المنطقة، وربما اتباع استراتيجية تجاه إيران محورها التعاون والاحتواء والمواجهة بحسب المواقف ومساحات تلاقي أو تصادم المصالح، أي أنه قد تكون هناك فرص للتعاون في بعض النواحي. كما ستكون هناك أوقات ستحتاج فيها واشنطن إلى مواجهة إيران.
أي أنه لن يحدث تغيير جوهري في العلاقات الأميركية – الإيرانية، لا سيما في ظل وجود إبراهيم رئيسي المتشدد والقريب من الحرس الثوري والذي أعلن أن أولويات سياسته الخارجية هي التحول نحو آسيا ودول الجوار الإيراني وليس التواصل مع الغرب. قد تتغير العلاقات بين واشنطن وطهران ولكن قد يكون ذلك في ظل إدارة التيار الإصلاحي أو معتدل براغماتي يركز على العلاقات مع الغرب.