الغرب يسترضي القيصر

كتب راجح خوري في “النهار”:
لم يحشد القيصر #فلاديمير بوتين 150 ألف جندي على حدود #أوكرانيا التي يعتبرها امتداداً عرقياً للقومية السلافية، التي قامت عليها الأمبراطورية الروسية قبل الاتحاد السوفياتي، ليعلن بالتالي بعدما وضع العالم على حافة أكبر حرب في أوروبا منذ عام 1945، كما قال بوريس جونسون، استعداده للإنسحاب تحت وابل من المناشدات الأوروبية والتهديدات بعقوبات اقتصادية خانقة ستتعرض لها بلاده!
وهكذا لم يكن مفاجئاً تحديداً ان كلام ايمانويل ماكرون مساء الأحد ستنسفه تقريباً، توضيحات موسكو يوم الإثنين، عندما قال فلاديمير بوتين في مجلس الأمن القومي الروسي إنه “لا آفاق لعملية سلام للصراع في أوكرانيا، وان قبول أوكرانيا في حلف الناتو يشكل تهديداً ل#روسيا”، بينما قال سيرغي لافروف ان “الناتو” يصرّ على إبقاء أبوابه مفتوحة لانضمام دول مثل أوكرانيا، وان الغرب لم يبدِ أي اهتمام بشأن مطالب روسيا الأمنية، بما يؤكد ان المطلوب في موسكو مزيد من التطمينات الأمنية الغربية، لمنع الإنجرار الى حرب مدمرة ليس من الواضح الى أين يمكن ان تنتهي، وخصوصاً في ظل سياسة التهافت التي تتكشف عن مزيد من الضعف الأميركي، من منطقة الشرق الأوسط الى الانسحاب الكارثي من أفغانستان، الى التهافت على الاتفاق النووي مع ايران في فيينا.
يعرف بوتين رجل الدهاء والمخابرات كل هذا تماماً، ويعرف ايضاً ان للحرب تكاليفها الثقيلة على روسيا، لكنه يعرف في المقابل ان سحب قواته من حدود أوكرانيا الآن سيرسل اشارات ليست لمصلحة صورة روسيا، ولهذا يريد ثمناً كافياً يعوّضه الانخراط في الحرب، ويعطي موسكو وزنها الراجح في التوازنات الدولية.
وهكذا ومع ارتفاع صدى القذائف على الحدود بين الأوكرانيين والإنفصاليين الذين تدعمهم موسكو، ربما بات من الأفضل له (بوتين) قبول مخرج يعطيه هيبة الإنتصار المعنوي من دون دفع تكاليف المعارك والعقوبات، وجاءت بداية هذه المؤشرات يوم السبت الماضي عندما اعلن انطوني بلينكن لمحطة “سي بي أس” ان الرئيس بايدن مستعد للقاء الرئيس بوتين في أي وقت وبأي صيغة إذا كان ذلك يسمح بتجنب حرب، وان سلوك المسار الديبلوماسي لا يزال ممكناً.
كان ماكرون الذي يبحث عن أي إنجاز خارجي يساعده في معركته الانتخابية جاهزاً للتحرك الفوري، رغم ان اجتماعه مع بوتين الى الطاولة المستطيلة لم يكن مفيداً، فسارع الى الإتصال ببايدن مستفسراً عن مدى استعداده لعقد قمة مع بوتين، وكان الجواب واضحاً ان الأمر ممكن، في حال لم تقدِم روسيا على غزو أوكرانيا، ثم اتصل ببوتين مستفسراً وحصل على ما يبدو على موافقة مماثلة، ولهذا لم يتردد في محاولة توظيف هذا الإنتصار المعنوي، عندما أعلن الاليزيه ليل الأحد – الاثنين ان بايدن وبوتين وافقا على مبدأ ان يلتقيا في قمة اقترحها ماكرون “ولكن لن يكون ممكناً عقدها إلا في حال لم تقدم روسيا على غزو أوكرانيا”، وان هذه القمة سيتم لاحقاً توسيعها لتشمل جميع الأطراف المعنيين، وتبحث في مسائل الأمن والإستقرار الإستراتيجي في أوروبا، وهو طبعاً ما يتجاوب مع رغبات موسكو التي تريد الحد من اندفاع حلف “الناتو” شرقاً.
لكن بوتين وجد على ما يبدو ان هذا الإخراج ليس كافياً ربما لأنه سيظهره كمن انتظر اللحظة المناسبة لقبول الاجتماع، وهكذا مع صباح امس الاثنين اعلن الكرملين ان الحديث عن قمة بين بوتين وبايدن سابق لأوانه، وقال الناطق باسم الكرملين ان هناك توافقاً على ضرورة مواصلة الحوار على مستوى وزيرَي الخارجية، وفي السياق من المقرر ان يجتمع بلينكن مع ندّه سيرغي لافروف الخميس لهذا الغرض.
إضافة الى ذلك، اتصل المستشار الألماني اولاف شولتس امس ببوتين بعد تنسيق في هذا الشأن مع ماكرون، وتناول موضوع القمة مع بايدن، بما يعطي بوتين مزيداً من الترضية المعنوية، التي تظهر أميركا وحلفاءها في “الناتو” متلهفين لإقناع موسكو بعدم اشعال الحرب في أوروبا، رغم ان هذه الحرب ليست بالضرورة في مصلحة روسيا على المدى البعيد!