رأي

رؤية مصر لإنقاذ الشرق الأوسط

كتب أسامة سرايا, في صحيفة الأهرام:

مصر في هذا الزمن الصعب، زمن الحرب وسيطرة المتطرفين والإرهابيين، تعمل أكثر مما تتكلم، وبرهانا لهذا الفعل، يجب أن نتوقف أمام الأحداث التي شكلت محورا جوهريا للتطورات في منطقتنا (10 أبريل 2025).

الأولى زيارة الرئيس الفرنسي إلى القاهرة والعريش، والأهم ما أعقبها من تطورات مهمة على الصعيد السياسي للقضية الفلسطينية، والثانية جولة الرئيس السيسي الخليجية إلى قطر والكويت، التي أعقبت التحرك مع فرنسا.

والثالثة المفاوضات المستمرة وحالة الوساطة الإيجابية والفاعلة بين حماس وإسرائيل لوقف الحرب، التي تتشكل أضلاعها الثلاثة من: مصر وقطر والولايات المتحدة، هذه المباحثات التي تعتبر علاقة مميزة للفهم والتحرك، وهي العمود الفقري والسياسي الذي يلجم العدوانية الإسرائيلية، ويجعل أمريكا والعالم شاهدين طوال الوقت عما يحدث في غزة من تطورات وحرب إبادة، وجعل حياة ملايين الغزاويين تحت حصار خانق، وصل إلى المجاعة، وغياب كل مظاهر الحياة.

ماكرون، عقب زيارته للقاهرة والعريش، خرج إلى العالم شخصية جديدة، واجه رئيس الوزراء نتنياهو بضرورة وقف إطلاق النار في غزة، والأهم ضرورة وضع أفق سياسي للفلسطينيين، والوصول إلى اتفاق لحل الدولتين، وصل ماكرون وحدد أنه سوف يعترف بالدولة الفلسطينية في الصيف المقبل، أي خلال أشهر، وحدثت مواجهة بينه وبين نتنياهو – الذي ما زال يصم أذنيه – كان ماكرون واضحا وقويا، لأن زيارة القاهرة كشفت أمامه كل الأبعاد الغائبة، وهو يشدد على ضرورة فتح كل المعابر أمام المساعدات الإنسانية.

ماكرون سيقود حالة في أوروبا والعالم، لإطلاق سلسلة اعترافات بدولة فلسطين خلال مؤتمر الأمم المتحدة الذي ستترأسه فرنسا بالاشتراك مع السعودية في يونيو المقبل بنيويورك، وهو ما أحدث ردود فعل لدى السلطة الفلسطينية والعالم بالترحيب بالموقف الفرنسي الجديد، الذي أعلنه رئيسها بعد زيارته للقاهرة، وهو الاتجاه الصحيح – كما وصفه ماكرون – لحماية خيار حل الدولتين وتحقيق السلام في انسجام صريح مع القانون الدولي.

أما التطور الثاني، فهو رحلة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى قطر والكويت، حيث وضعت التنسيق المصري الخليجي مع القوة الدولية ذات التأثير قبل رحلة الرئيس ترامب إلى المنطقة في الأسابيع المقبلة أمام تطور جديد سيلزم ويدفع الضغط العربي لاستمرار تأثيره على الولايات المتحدة، لكي تلجم اليمين الإسرائيلي الذي استأسد على المدنيين الفلسطينيين في غزة والضفة.

جولة الرئيس السيسي الخليجية أعادت تموضع القضية الفلسطينية في مكانها الصحيح في قلب الاهتمامات السياسية الخليجية، خصوصا في قلب دول الخليج العربي ككل، وذلك خطوة كبرى إلى الأمام للتنسيق بين مصر وشقيقاتها، خصوصا مع قطر، وبعد الشائعات أو التصريحات التي أطلقتها إسرائيل فيما يعرف بـ “قطرجيت” لصنع تباعد أو فرقة أو تنافس مع مصر، في حين أنهما تعملان في مهمة هدفها واحد، هو إنقاذ فلسطين وأهلها، فالتنسيق والهدف الواحد لبلدين عنوان القمة وتأكيد دورهما لوقف الحرب.

القمة جسدت من جديد دورا للمثلث الإماراتي – السعودي – القطري، الداعم للقضية الفلسطينية، وأضيف إليها دعم الكويت وأميرها الشيخ مشعل، مما يشكل قاطرة كبرى لإعادة تعمير غزة بعد أطول حرب شهدتها منطقتنا مع إسرائيل، ومعاناة الغزاويين الذين تعرضوا لعملية إبادة جماعية.

التحرك المصري أثبت وعي الإدارة المصرية بمسئولياتها التاريخية تجاه المنطقة العربية وشعوبها.

أما التحرك الثالث، فهو استمرارية المفاوضات دون كلل أو ملل لإنقاذ غزة من براثن العدوان اليميني المتطرف الإسرائيلي.

تحرك دول الخليج العربي للضغط على الأطراف المختلفة لوقف الحرب، واستيعاب الرؤية المصرية لإنقاذ منطقة الشرق الأوسط، سيسجل تاريخيا لمصر ورئيسها عبدالفتاح السيسي، لإدراكهم لكل الأبعاد التي تحيط بكل الدول العربية منذ أكثر من 3 عقود لإسقاط دولة وراء الأخرى، وسيطرة الميليشيات والإدارات الموازية لتقسيم البلدان العربية ككل.

سيسجل في ضمير منطقتنا، عمق الرؤية المصرية وتحركها المناسب وفاعليتها على أكثر من صعيد.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى