رأي

المسيحيون كأبرز الغائبين عن عزوف الحريري

كتبت روزانا بو منصف في “النهار”: “

لن تنجح مقالات صحافية محذرة من تداعيات عزوف الرئيس #سعد الحريري ومن التمسّك به أكثر، مخافة مجهول معلوم على صعيد استشراس أهل السلطة في السعي الى وراثة التشرذم السنّي، في تغيير قرار اتّخذه الحريري قبل عودته الى لبنان ويتفاعل في ذهنه منذ أكثر من أربعة أشهر. يبدو أن الكلام لن يقدّم أو يؤخّر إزاء حسم الحريري قراره. ولكن ثمة من يعتقد أن هناك ما هو أبعد من الأسباب المباشرة، على وجاهتها، التي سيعرضها الرئيس السابق للحكومة في تبرير عزوفه عن خوض الانتخابات، وكذلك الأمر بالنسبة الى تيّاره. ولعله لا يكشف عن هذه الأسباب حتى لأقرب المقرّبين إليه، ولكن وإن لم يكن يرغب بعد الآن في أن يُحمَّل أيّ تبعة في مسار الانهيار في البلد على رغم جهوده المضادّة لذلك، فإنه سيُحمَّل ما سيحصل لاحقاً أي ما سيلحق البيئة السنّية وكذلك لبنان عموماً نتيجة قراره. والتدخلات السياسية معه من الحلفاء السابقين أو من عواصم مؤثرة، لن تغيّر على الأرجح قراره، فيما يتمنّى البعض لو أنه يقوم بلعبة سياسية كبيرة تستعيد الزخم السنّي الكبير من حوله قبيل الانتخابات وفي ظلّ انتفاضة لا تزال تتفاعل ضمناً لدى اللبنانيين رفضاً للزعامات التقليدية التي سيتكرّر إعادة تثبيتها لاعتبارات متعدّدة.

وتسجّل ثلاثة أمور لافتة على هذا الصعيد. الأول هو الغياب المسيحي اللافت على غير الموقف الشيعي الذي عبّر عنه الرئيس #نبيه بري أو الموقف الدرزي الذي عبّر عنه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي رفضاً لعزوف الرئيس الحريري نتيجة المخاوف من تداعيات هذا القرار الذي لن تبرز ارتداداته الحقيقية إلّا لاحقاً. الغياب المسيحي مدوٍّ وغير مطمئن ولا يأخذ كثرٌ الإشارةَ التي ضمّنها موقف التيّار العوني في بيانه الأخير أيّ اهتمام لاعتبارات تتعلق بالمسؤولية الأساسية التي تولّاها هذا التيّار بكلّ مكوّناته في القيام بدور يشابه كثيراً الدور الذي قام به إميل لحّود مع الرئيس الراحل رفيق الحريري سواء لاعتبارات شخصية أو تلبية لأهداف إقليمية. ولكن القوى المسيحية، على عكس شخصيات سياسية وازنة أو حتى بعض الزعماء الذين عبّروا ضمناً عن مدى الارتدادات الخطيرة لقرار الحريري في مجالسهم الخاصة لكن من دون الذهاب الى المجاهرة بذلك، لم تدلِ بدلوها على سبيل قراءتها أو رؤيتها المفترضة للمرحلة المقبلة. وهذا عامل خطير جداً تبعاً لحسابات شخصية أو سياسية، وهي ربّما تستطيع عبر إجماع المواقف السياسية لا أن تضعها في موقف واحد من سائر القيادات أو الزعامات التي تقول إنها تسعى الى دعم الانتفاضة ضدّها، بل أن تميّز بين الرؤية الاستراتيجية للتوازنات السياسية في البلد والحسابات الانتخابية المباشرة. فهناك جهد مسيحي مطلوب بقوّة على هذا الصعيد لئلّا تبرز رهانات خاطئة على إمكان بناء البلد على قاعدة الثنائية الشيعية المسيحية التي ثبّتها تفاهم مار مخايل بعد إرسائها بعد 2006، فيما المزاج المسيحي الفعلي ليس حاسماً في هذا الاتجاه، أو أيضاً الرهان على اقتسام الشارع السنّي والكسب فيه انتخابياً علماً بأنها لعبة مشروعة وستخاض تحت عنوان الالتفاف على “حزب الله”.

الأمر الآخر أن الحريري إذ يخرج في قراره العزوف عن الانتخابات ربما أقوى ممّا لو خاضها فعلاً نتيجة اعتبارات متعدّدة، مطلوب منه ألّا يرمي هذا المكسب لا في الشارع السنّي فحسب بل في شوارع طائفية أخرى. “اللهم لا أسألك ردّ القضاء بل أسألك اللطف فيه”، هي المقاربة التي رغب البعض الى الحريري العمل بها على قاعدة ألا يخرب بقراره ما هو قائم وموجود أي عدم رمي اللبنانيين الذين وقفوا معه منذ اغتيال والده في مهبّ التخلّي عنهم من دون تقديم بدائل على الأقلّ، أكان عبر المساعدة في بلورة كتلة نيابية تمثيلية للطائفة السنية أم القيادة من الخلف إذا صحّ التعبير بطريقة ما.

يقول البعض إن هناك انفصاماً لدى من يطالب الحريري بالعودة عن قراره فيما الشعب اللبناني بات يرغب في ابتعاد كلّ الطبقة السياسية وإتاحة المجال لقوى جديدة تبرز على الساحة السياسية بعدما أنهكت هذه الطبقة التي انتقلت من متاريس الحرب الى إدارة البلد اللبنانيين وأسهمت بانهيارهم. ولكن عزوف الحريري وحده يشبه تماماً استقالة حكومته بعد أسابيع قليلة على قيام انتفاضة 17 تشرين الأول 2019 انسجاماً مع تطلّعات اللبنانيين ومطالبهم ضدّ الطبقة السياسية كلها، ولكن انتهى الأمر به الى إقصائه من الطبقة السياسية ورفض التجاوب معه بخطوة حكومة من المستقلين، فيما المنتفضون لم يدعموه في مطلبه وتكيّفوا مع الممارسات السياسية القامعة. فإن كان من تغيير جذري فليس وفق المقاربة التي اعتمدها الحريري.

الأمر الثالث هو ما برز في مواقف المناصرين الرافضين لعزوف الحريري من انتقاد للمملكة العربية السعودية في ما يعتبرونها مسؤولة عن قرار الحريري ضمناً، من دون إهمال الآخرين ولا سيّما الخصوم السياسيين المحليين. وثمّة انتقاد قد لا يعني المملكة ومسؤوليها كثيراً في مواقف السياسيين السنّة لمقاربتها اللبنانية على مدى الأعوام الماضية. ولكن مع التظاهرات التي نظمتها حركة حماس في غزة تضامناً مع الحوثيين وفي مواقف عدائية كاملة للمملكة ومسؤوليها في استنساخ لما ترجمه الأمين العام لـ”حزب الله” من مواقف ضدّ المملكة في بيئته أخيراً، أمر ربّما لا ينبغي إهماله في ظلّ التحوّلات الجارية في المنطقة.

هذه الامور لا تخفي التداعيات الكبرى إذا وُضع النظام على طاولة البحث والتعديل لأن المسألة لا تتعلق ب#الانتخابات النيابية فحسب بل باتفاق الطائف بالذات، في ظلّ ورش لتطوير محتمل أو تعديل هنا وهناك. وترك لبنان لفريق أو محور معيّن قد يكبّده الكثير للنجاح في إدارة البلد ولكن قد ينجح في إرساء واقع سياسي وتوازنات تصعب إعادتها الى الوراء. وهذا جوهر الموضوع إذا أخذ ما حصل من العراق الى سوريا وصولاً الى لبنان في الاعتبار.”

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى