برّي يرفض “مصالحة انتخابية”: يجب كسر باسيل
كتبت جوزفين ديب في “أساس ميديا”: “
أصبح معلوماً أنّ الملفّات الإشكالية بين القوى السياسية الحليفة لحزب الله أكثر بكثير من الملفّات المتّفق عليها. إذ عندما يُسأل نواب التيار الوطني الحر عمّا يجمعهم بحزب الله نفسه يجيبون: “مقاومة إسرائيل فقط”. فكيف بالحريّ ما يجمعهم بحركة أمل أو بتيّار المردة؟!
بعدما ربحت هذه القوى الأكثرية النيابية في دورة العام 2018، عادت وتصدّعت عند كلّ تفصيل وكلّ ملفّ، سواء كان سياسيّاً أم تقنيّاً أم قضائيّاً، أو مهما كان شكل التفصيل.
هل يعني بيان الثنائي الشيعي بالأمس بالموافقة على المشاركة في جلسات مجلس الوزراء دون تجاوز مبررات المقاطعة السابقة، هل يعني وقف إطلاق النار السياسي بين التيار الوطني الحر وحركة أمل؟
غير أنّ هذا الواقع لا يروق لحزب الله الذي بدأ يستعدّ في الأشهر السابقة لمشهد الانتخابات، ولا سيّما تلك التي ستحصل على الساحة المسيحية. إذ يدرك الحزب تماماً أنّ المعركة الكبرى هناك، وأنّ حليفه الأساسي، أي التيار الوطني الحر، مأزوم بعدما خسر مرونة تحالفاته التي كان قد حظي بها في بداية العهد. وانطلاقاً من حذره الشديد من فوز القوات اللبنانية بأكثرية النواب المسيحيين، قفز حزب الله فوق الملفّات الإشكالية، كملفّ التحقيق في تفجير مرفأ بيروت، و”لاقرار” المجلس الدستوري، وتعطيل الحكومة، وقام بمسعى حاول أن يعبّد من خلال طريق فريقه السياسي، ليخوض الانتخابات بتضامن في الدوائر التي تفرض عليه ذلك.
وفي المعلومات أنّ محاولاته لرأب الصدع بين حركة أمل والتيار الوطني الحرّ باءت بالفشل، في ظلّ رفض قاطع من رئيس مجلس النواب نبيه برّي لأيّ تقارب مع رئيس الجمهورية وفريقه، وتحديداً مع رئيس “التيار” جبران باسيل. ويكشف مطّلعون على هذه المساعي أنّ برّي “ليس مستعدّاً لأيّ تنازل أو تقارب أو التقاء لإنقاذ باسيل من أزمته في الانتخابات المقبلة”، فهو يرى أنّه يستطيع “التعايش” مع أيّ أكثرية، من أيّ قوى سياسية أو طائفية كانت، باستثناء التيار الوطني الحرّ. وهو لذلك أقفل كلّ الأبواب على أيّ محاولة للجمع بينهما في أيّ لائحة أو أيّ تحالف انتخابي.
كذلك الأمر بالنسبة إلى رئيس تيار المردة سليمان فرنجية الذي فشلت محاولة حزب الله معه للتقريب بينه وبين التيار الوطني الحرّ على قاعدة المصلحة المشتركة في المعركة الانتخابية المقبلة. ويقول المطّلعون على خط بنشعي – حارة حريك إنّ فرنجية يعتبر أنّه ليس مضطرّاً إلى إنقاذ باسيل في أزمته الانتخابية بعدما كان يغرّد وحيداً في السلطة في بداية العهد من دون الأخذ بعين الاعتبار تحالفاته والتقاطعات المفترضة بين الحلفاء.
حسم عين التينة وبنشعي
أقفل باب عين التينة كما أقفل باب بنشعي على مسعى حزب الله إلى إعادة وصل ما انقطع بين الفريق الواحد. لذلك فإنّ حزب الله، المشغول بملفّاته الإقليمية، وجد نفسه في أزمة، ولا سيّما في الأقضية المتداخلة بينه وبين “التيار” و”أمل”. فهو الحريص على حليفه الشيعي حرصه على نفسه يدرس إمكانية تقسيم أصواته بين حليفيْه إذا كان ذلك ممكناً. في المقابل يعلّق رئيس “التيار” على مشهد الانتخابات النيابية المقبلة بالقول: “مخطئ مَن يعتقد أنّه سيحمل تغيّرات دراماتيكية”، في حديثه أمس لـ”الجمهورية”. فعدد من النواب صعوداً أو نزولاً لن يغيّر في المعادلات الكبرى بالنسبة إليه.
في الاجتماع الأخير للمجلس السياسي في التيار، فتح باسيل مع الأعضاء نقاشاً حول مستقبل العلاقة مع حزب الله، وهو يدرك أنّ الجوّ العامّ في تياره ليس لمصلحة إبقاء التفاهم مع الحزب، لكنّه يدرك أيضاً أن لا خيار حالياً سوى إبقاء التحالف معه.
لا يستطيع حزب الله التناغم مع هذا الخطاب لضرورات شيعية أصبحت معروفة. وفي هذا السياق يبرز سؤال: “ألا يستطيع عون محاربة الفساد من دون سجن الرئيس برّي؟”
غير أنّ النقاش الجدّيّ حالياً يجري بين قيادتيْ حزب الله و”التيار” حول “من يتحمّل مسؤولية فشل العهد، الحزب أم التيار؟
وكان باسيل قد كشف عن لقاء جمعه بالأمين العامّ لحزب الله السيد حسن نصرالله، ناقشا فيه العلاقة بين الفريقين والإخفاقات فيها. وفي معلومات “أساس” أنّ هذا اللقاء عُقِد قبل الأزمة الحكومية، وهو ما يعني أنّ النقاش بين الفريقين سبق أن بدأ قبل تعطيل الثنائي الشيعي لآخر حكومات عهد ميشال عون.
وفي النقاش، الذي بدأ ويستمرّ بين دوائر الفريقين، مقاربتان مختلفتان يعبّر كلٌّ منهما من خلالهما عن وجهة نظره في مَن يتحمّل مسؤولية فشل الأكثرية النيابية هذه في الحكم.
يحمِّل التيّار حزب الله المسؤوليّة بسبب ارتباطاته الإقليمية وتدخّله في شؤون الدول الأخرى لارتباط مصالحه بإيران، كما يعبّر علناً بعض القيادات في التيار. ومن جهة أخرى، يحمّل التيار الحزب مسؤولية التعطيل في الداخل عبر حليفه الرئيس نبيه بري كما أصبح معلوماً.
من جهته، يقارب الحزب الأزمة بشكل مختلف. فهو يعتبر أنّه عبّد الطريق وعطّل مجلس النواب واختلف مع برّي من أجل إيصال عون إلى الرئاسة. ويعتبر أنّه مهّد الطريق لباسيل في كلّ مراكز التعيينات المسيحية، وأوكل إليه الملفّات الداخلية. فالحزب الحريص على حليفه المسيحي لا يمكن له أن يقبل بخطابه الدائم، الذي يعبّر عنه عون أمام زوّاره، ويقول فيه إنّه يريد سجن برّي كما يريد سجن الآخرين.
لا يستطيع حزب الله التناغم مع هذا الخطاب لضرورات شيعية أصبحت معروفة. وفي هذا السياق يبرز سؤال: “ألا يستطيع عون محاربة الفساد من دون سجن الرئيس برّي؟”.
تختلف كثيراً مقاربات المشهد الداخلي بين الفريقين. فعون وتيّاره يخوضون معاركهم وحيدين فيما حزب الله منشغل بلملمة ساحة حلفائه الداخلية.
الجامع المشترك الوحيد بينهما قد يكون رغبتهما الدفينة بتأجيل الاستحقاق الانتخابي. وحده برّي من يريد الذهاب إلى انتخابات تكسر جمود الساحة الداخلية ولو فرزت أكثرية مناقضة للأكثرية الحالية.
لكن هل يعني بيان الثنائي الشيعي بالأمس بالموافقة على المشاركة في جلسات مجلس الوزراء دون تجاوز مبررات المقاطعة السابقة؟ وهل يعني وقف إطلاق النار السياسي بين التيار الوطني الحر وحركة أمل؟
ميقاتي يفي بوعده..
“الموازنة” هي كلمة السرّ، واستطراداً “التفاوض مع صندوق النقد الدولي”. لهذا أعلن حزب الله وحركة أمل أنّهما سيعودان إلى طاولة مجلس الوزراء “لإقرار الموازنة ومناقشة خطّة التعافي الاقتصادية وكلّ ما يرتبط بتحسين الوضع المعيشي للبنانيين”.
ما عاد “الثنائي الشيعي” يحتمل أن يكون مسؤولاً أمام اللبنانيين عن المزيد من الانهيار المالي، بسبب تعليقه جلسات الحكومة. وبيان “العودة” بدا مخصّصاً للتأكيد على المطالبة “بتشكيل لجنة تحقيق برلمانية ، أي إحالة محاكمة الرؤساء والوزراء إلى المجلس الأعلى لمحاكمتهم”، في قضية تفجير مرفأ بيروت.
هذا يفسّر قول رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من بعبدا، بعد زيارته الأخيرة إلى الرئيس ميشال عون، إنّه سيدعو إلى جلسة حكومية لإقرار الموازنة. واستمرّت المفاوضات خلف الكواليس، بعد كلمة لعون ثم لجبران باسيل، رفعا خلالها سقف الخطاب تجاه الحليف ليبدو معطّلاً لشؤون اللبنانيين في ظل أسوأ أزمة معيشية على الإطلاق.
تعدّدت القراءات ليل أمس، بين من اعتبر أنّه “وقتٌ مستقطعٌ من التعطيل رأفة بالعهد في أشهره الأخيرة ولاستكمال المفاوضات مع صندوق النقد، على أن يستمرّ التعطيل في الملفات الأخرى”، وبين من قرأ في خطوة الثنائي بداية لتنفيذ الصفقة التي عجزت القوى السياسية عن إقرارها دفعة واحدة”. في حين تقول قراءة ثالثة إنّ “انفراجاً إقليمياً سنسمع عن حتماً في الأيام المقبلة من فيينّا، قد تكون محرّكاته انطلقت من بيروت”.
لكنّ الأكيد أنّ الاحتمالات كلّها تشهد على ثابتة واحدة، وهي تأزّم العلاقة بين أبناء الفريق الواحد. وإذا نجح عون هذه المرّة باستدراج الثنائي إلى جلسة حكومية واحدة، ولو ببنود محدّدة مسبقاً، فهذا لا يعني أنّ عين التينة تناست كلّ خلافاتها ورواسب العلاقة الشائكة مع بعبدا والبيّاضة على حدّ سواء.
للبحث صلة…”