رأي

ماذا لدى عين التينة “للمواجهة والمدافعة” في المرحلة المقبلة؟

كتب ابراهيم بيرم في “النهار”: منذ فترة غير بعيدة اطلق رئيس مجلس النواب #نبيه بري مقولته اللافتة، وفحواها: لا تنتظروا مني اي مبادرة للحل والخلاص، فلقد نفد مخزوني من هذا النوع.
واتضح لاحقا ان كلامه لم يكن فرضيا او نظريا، انما هو استنتاج عملي بعد ثلاث محاولات – تسوية عمل عليها بهدوء وبعيدا من الاضواء. ولم يعد خافيا ان اولى تلك المحاولات كانت في 22 تشرين الثاني الماضي. فلقد سرت حينذاك معلومات خلاصتها انه خلال اللقاء الرئاسي الثلاثي الذي استضافه قصر بعبدا بُعيد الاحتفال العسكري الرمزي في الفياضية في ذكرى عيد الاستقلال، تم التطرق الى ضرورة فعل شيء او انتاج صيغة معينة تضع حدا لحال التعطيل لمسار حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، على ان يكون مفتاح البحث هو انتاج صيغة تلبي مطالب “الثنائي الشيعي” في موضوع ما يراه “تصحيحا للخلل” في مسار التحقيق القضائي الذي يتولاه المحقق العدلي القاضي طارق البيطار في انفجار مرفأ بيروت.
لكن هذه المحاولة لم تكتمل فصولا بفعل “ملاحظات وتحفظات” مصدرها حاشية قصر بعبدا.
اما المحاولة الاكثر دقة وبرمجة فهي التي حيكت خيوطها على مهل بين الرئيس بري و”التيار الوطني الحر” برئاسة النائب جبران باسيل. وبحسب ما راج لاحقا فان هذه المبادرة انطوت في جوهرها على “تطيير” رؤوس القضاء الثلاثة: رئيس مجلس القضاء الاعلى والمدعي العام التمييزي ورئيس مجلس شورى الدولة، مقدمة لـ”تحجيم” دور المحقق العدلي وكف يده عن صلاحية ملاحقة الرؤساء والنواب والوزراء وارجاعها حصراً الى حضن المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء والنواب، على ان يكون لهذه الصفقة – التسوية استتباع يتصل بقانون الانتخاب وفق ما ينشده “التيار البرتقالي”، اضافة الى مسألة التعيينات.
ومعلوم ان الرأي العام صُدم بمشهد الرئيس ميقاتي يخرج من عين التينة وهو في غاية الانفعال كردة فعل على ما سمّاه في تصريح لـ”النهار” عرضاً سمعه من الرئيس بري الذي فاتحه به طالبا منه امراره في مجلس الوزراء لاحقا بعد ان يحضره الوزراء المقاطعون (وزراء الثنائي).
عندئذ ايقن المتابعون ان ميقاتي بسلوكه هذا اسقط هاتيك الصفقة – التسوية، ولكن المفاجأة التي تبدّت لاحقا أتت على لسان ميقاتي نفسه الذي اشار الى ان بري لم يبدِ تمسكاً بهذا العرض كما يتعين ما اوحى انه لم يكن مؤمنا ان بالامكان امراره.
وبُعيد فترة سرت في الاوساط الاعلامية مناخات توحي بان ثمة من يعمل في الخفاء لبلورة محاولة تسوية ثالثة، ولكن يبدو انها كانت محاولة خجولة لم يقيّض لها ان تبصر النور، او لم تجد من يجرؤ على الحديث عنها او تبنّيها.
واذا كان مفهوما ردة الفعل الحادة والانفعالية لـ”التيار البرتقالي” على سقوط صفقة كان يبني كبير امل على سريانها لتعزيز اوراقه السياسية وهو ما تبدى على لسان رئيسه باسيل في اليوم التالي، واذا كان مفهوما ايضا مسارعة الرئيس ميقاتي لاستثمار الحدث على مدخل مقر الرئاسة الثانية من خلال الظهور في مؤتمر صحافي في السرايا الحكومية وهو الاول من نوعه منذ توليه منصبه، واعادة الاعتبار لدوره المرجعي والمحوري في عملية اتخاذ القرار، فان السؤال المطروح: ماذا عن ردة فعل الرئيس بري الذي يرى كثر انه تلقّى “ضربة سياسية” من خلال عجزه عن اجتراح الحلول؟

ليس خافيا ان رأس السلطة التشريعية لم يستطع الى الآن ان يمحو بسهولة ذيول هذه “الخيبة الثلاثية الاضلاع”، ولم ينجح في ان يستوعب تداعياتها وارتداداتها المدوية رغم مسارعته الى استيعاب الموقف من خلال امرين: الاول الوقوف على خاطر الرئيس ميقاتي وتهدئة سورة غضبه. والثاني الايحاء بانه لم يكن هناك من الاصل “لاصفقة ولا من يصفقون” على حد التعبير الذي استخدمه في ليلة الخروج الغاضب عينها.
والذين هم على تواصل مع عين التينة ينقلون ان الرئيس بري لم يكن يحبذ او يسعى في يوم من الايام الى ان يجد نفسه محاصرا بشبهة تعطيل مسيرة الحكومة ومسار الحكم كواقع الحال في لحظة غاية في الصعوبة، وانه استطرادا كان يأمل من صميم قلبه ان يجد كوة ضوء ليجد مخرجا له من دائرة هذه المعضلة التي وجد فيها نفسه مكرها. وعلى رغم ذلك الا انه ليس في مقدوره التراجع والنكوص، بل انه يجد نفسه مضطرا الى ان يمضي قدماً في ما بدأه وعنوانه “لا يمكن ان يقبل باي ارادة تكسر ارادته، فهي بالنسبة اليه باتت حرب ارادات”.
وعليه فان سلاح المواجهة الاساسي عنده هو السلاح عينه الذي بحوزة الآخرين، لذا فان دعواه الدائمة: طبقوا القانون فتنتهي المشكلة تلقائيا وتعود الامور سيرتها الاولى، والتطبيق يكون من خلال اعادة الاعتبار الى المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء والنواب. واي تجاوز لهذا الاعتبار هو افتئات على القانون نفسه من جانب من يفترض بهم انهم حراس هيكل القانون والساهرون على حمايته.
ودون ذلك، يؤكد عضو كتلة “التنمية والتحرير” قاسم هاشم في اتصال مع “النهار” ان “الامور باقية على صورتها المألوفة منذ آخر جلسة لمجلس الوزراء، اذ لا تراجع اطلاقا عما سبق للكتلة ان اعلنته وعما سبق لدولة الرئيس بري ان ردده وعنوانه العريض: طبقوا القانون ولا شيء غير القانون لتذهب الامور تلقائيا نحو الانفراج وتزول العقبات وتنزاح غيوم الازمة”.
ويضيف هاشم: “لم نعد انفسنا بحاجة للاشارة الى مفاتيح الحل المطلوبة، فهي عند الآخرين الذين عليهم ان يقبلوا ويرتضوا بكامل الرضا ان تكون محاكمة الرؤساء والوزراء والنواب ومحاسبتهم من صلاحيات المجلس الاعلى المنصوص عنه دستورا وقانونا. والى ذلك الحين لاعلم لنا باية مبادرة حل او تسوية والامور تبدو مرجأة الى السنة المقبلة. ونحن نخشى ان نجد انفسنا في مطلع العام المقبل في جو اعلى من الاحتدام والحماوة لاعتبارات اربعة:
الاول: دنو موعد الانتخابات النيابية حيث يعلو الصخب والضوضاء.
الثاني: عودة رئيس الحكومة من فرصة العيد في الخارج لينطلق في مرحلة جديدة من الحراك سبق ووعد به.
الثالث: انطواء صفحة المبادرات قبل فترة، ما يعني ان لا وعود ولا آمال عند المواطنين.
الرابع: موضوع فتح الدورة الاستثنائية لمجلس النواب، اذ في مقابل الحديث عن ان رئيس الجمهورية لا يعتزم توقيع مرسوم الدعوة الى هذه الدورة بالاتفاق مع رئيس الحكومة، فبحسب معلوماتي ان رئاسة المجلس عازمة على وضع عريضة نيابية يوقعها 65 نائبا (الاكثرية المطلقة) لفتح هذه الدورة عملا بالمادة 33 من الدستور”.
وعليه يبدو جليا ان المسرح السياسي يعدّ لمزيد من الاحتدام في اوائل العام المقبل.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى