افتتاحية اليوم: ضغط لفرض اتفاق

منذ انتهاء الحرب الأخيرة بين لبنان وإسرائيل، وما تلاها من “هدنة غير معلنة” بين الطرفين، يعيش جنوب لبنان حالة من الترقب المشوب بتصعيد ميداني متكرر، كان آخر فصوله ما شهده أمس الأول من قصف جوي استهدف أربع قرى، مسح أربعة مواقع عن الوجود، وألحق أضرارًا جسيمة بعشرات المنازل.
هذا التصعيد يطرح سؤالًا ملحًّا: هل تسعى إسرائيل إلى جرّ لبنان نحو اتفاق سياسي جديد عبر الضغط العسكري؟
رغم التصريحات الإسرائيلية التي تتحدث عن “استعادة الردع” و”منع التهديد من الشمال”، فإن نمط العمليات العسكرية يتجاوز منطق الردود الدفاعية. ثمة من يرى في هذا التصعيد محاولة إسرائيلية لتعديل قواعد الاشتباك، ودفع الأطراف المعنية، ولا سيما الدولة اللبنانية، إلى القبول بتسوية تُكرّس واقعًا أمنيًا جديدًا على الحدود.
منذ توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية، تسعى الولايات المتحدة وفرنسا إلى بلورة تفاهم أوسع يشمل الحدود البرية، وينظّم تموضع “حزب الله” في الجنوب. إلا أن الحزب رفض أي مقاربة تُحمّله وحده مسؤولية التوتر، معتبرًا أن المساعي الدولية تُخفي في طيّاتها محاولةً لتكريس ميزان قوى يميل لصالح إسرائيل.
في هذا الإطار، تبدو الضربات الإسرائيلية المتتالية بمثابة تكتيك ضغط مدروس، هدفه دفع الدولة اللبنانية إلى القبول باتفاق أمني–سياسي شامل، مقابل تخفيف التهديد بالحرب الشاملة. لكن هذه المعادلة تصطدم بتعقيدات الداخل اللبناني: غياب القرار الموحد، الانهيار الاقتصادي، وتعذّر إعادة الإعمار، فضلًا عن بقاء عشرات القرى الجنوبية شبه مهجورة.
أما “حزب الله”، فيوازن بحذر بين الرد المحدود وتفادي الانزلاق إلى مواجهة شاملة قد تُستدرج منها المنطقة إلى صراع إقليمي أوسع، خصوصًا في ظل تداخل الملفات من غزة إلى سوريا.
في المحصلة، لا تبدو إسرائيل في وارد شنّ حرب مفتوحة، لكنها تستخدم التلويح بها كأداة ضغط سياسية. ويبقى السؤال:
هل يرضخ لبنان لمنطق القوة، أم ينجح في قلب التهديد إلى فرصة تفاوض بشروط متوازنة؟
الإجابة ستتضح في ضوء ما يُرسم للمنطقة برمتها، في لحظة دقيقة وحاسمة.