حيثيات شكوى نيكارغوا ضد ألمانيا في “العدل الدولية”
بين نايت, “DW” :
تنظر محكمة العدل الدولية في قضية رفعتها نيكاراغوا ضد ألمانيا فحواها أن دعم برلين لإسرائيل ينتهك اتفاقية الإبادة الجماعية، وهو ما تنفيه ألمانيا. وعلى عكس جنوب أفريقيا، تفتقر نيكارغوا للمصداقية الأخلاقية، حسب خبراء.
اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، والمعروفة باسم اتفاقية الإبادة الجماعية، جزء من القانون الدولي وأقرت رداً على أسوأ إبادة جماعية في القرن العشرين: الهولوكوست. وتهدف اتفاقية 1948، التي رعتها الأمم المتحدة، إلى تطبيق مبدأ “لن يحدث ذلك مرة أخرى أبداً”، وهي العبارة التي نشأت بعد الإبادة المنهجية التي نفذتها النازية بحق ستة ملايين من اليهود الأوروبيين وملايين غيرهم في المحرقة (الهولوكوست).
ومن خلال وضع إطار قانوني لـ “الإبادة الجماعية”، تأمل الاتفاقية في منع وقوع جريمة أخرى، على الرغم من وقوع عدد من جرائم الحرب واسعة النطاق في جميع أنحاء العالم في العقود التي تلت ذلك.
ألمانيا وإسرائيل هما من بين أكثر من 150 دولة موقعة على الاتفاقية، ودولة نيكاراغوا الصغيرة في أمريكا الوسطى كذلك.
كل دولة موقعة تتحمل المسؤولية القانونية بضرورة الالتزام بأحكام الاتفاقية ودعمها، وتحتفظ بالحق في اتهام دولة أخرى رسمياً بانتهاكها.
وهذا ما فعلته نيكاراغوا: في الأول من مارس/آذار، رفعت دعوى أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي ضد ألمانيا. ويزعم الطلب أن ألمانيا، بسبب دعمها الثابت لإسرائيل بما في ذلك تسليم الأسلحة، “فشلت في الوفاء بالتزامها بمنع الإبادة الجماعية المرتكبة والتي لا تزال ترتكب ضد الشعب الفلسطيني”، وبالتالي “ساهمت في ارتكاب الإبادة الجماعية في انتهاك لقانون لاتفاقية الإبادة الجماعية”، وغيرها من عناصر القانون الدولي.
وتستند هذه الاتهامات أيضا إلى تعليق ألمانيا تمويلها لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).
وأعلنت المحكمة التي تتّخذ من لاهاي مقرّا عقد جلسات في 8 و9 نيسان/أبريل للاستماع إلى مرافعات البلدين. وجاء في بيان صادر عن المحكمة “جلسات الاستماع ستخصص لطلب تحديد تدابير مؤقتة وردت في التماس نيكاراغوا”. وكانت ماناغوا قد طالبت المحكمة باتّخاذ موقف مؤقت سريع مندّدة بتصرّفات ألمانيا قبل أن ينظر القضاة بعمق في القضية.
الدعم الألماني لإسرائيل
منذ الهجوم الإرهابي الذي شنته حماس في إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول، والذي يقول مسؤولون إسرائيليون إنه أدى إلى مقتل حوالي 1200 شخص، من بينهم 850 مدنياً على الأقل، تحاصر إسرائيل قطاع غزة وتقصفه وتتوغل فيه. وقد تجاوز عدد القتلى الناتج عن ذلك أكثر من 33 ألف شخص، أو أكثر من 1.5% من السكان، وفقاً للسلطات الصحية التابعة لحماس، المصنفة من قبل ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى كمنظمة إرهابية.
وتقول بعض منظمات الإغاثة إن هذا الرقم قد يكون أقل من الواقع. وليس ممكنا التحقق من صحة هذه المعطيات من مصادر مستقلة.
واتهمت الأمم المتحدة وجماعات حقوق الإنسان القوات الإسرائيلية بشن هجمات عشوائية ضد المدنيين. وحتى أقرب حلفاء إسرائيل لها، مثل الولايات المتحدة، انتقدت العدد المرتفع من القتلى المدنيين.
هل ترقى تصرفات إسرائيل إلى مستوى “الإبادة الجماعية”؟
وفي حكم أصدرته في يناير/كانون الثاني في قضية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، قالت محكمة العدل الدولية: “يبدو على الأقل بعض الأفعال وحالات الإهمال، التي زعمت جنوب أفريقيا أن إسرائيل ارتكبتها، في غزة يمكن أن تندرج ضمن أحكام الاتفاقية”. ودافعت ألمانيا بقوة عن رفض إسرائيل لهذه الاتهامات
وقال كريستيان فاغنر، المتحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية، للصحفيين بعد تقديم ملف نيكاراغوا: “نحن نقدر محكمة العدل الدولية وسنتفاعل مع القضية وندافع عن أنفسنا. لكن دعونا نوضح تماماً أننا نرفض بالطبع هذا الاتهام الذي وجهته لنا نيكاراغوا”.
معضلة أخلاقية
وتعتمد قضية نيكاراغوا بشكل كبير على قضية جنوب أفريقيا، وربما تختبر حجة قانونية مفادها أن الحكم الصادر في يناير/كانون الثاني يفرض التزامات معينة على دول ثالثة، مثل ألمانيا.
يقول مايكل بيكر، الأستاذ المساعد في القانون الدولي لحقوق الإنسان في كلية ترينيتي في دبلن (Trinity College Dublin)، لـ DW: “هناك قدر كبير من الغموض يحيط بهذه القضايا. ومع ذلك، فإن قضية نيكاراغوا تواجه عقبات جسيمة”.
من الناحية الإجرائية تتمتع كل دولة موقعة على المعاهدة بحق رفع القضايا أمام محكمة العدل، فإن نيكاراغوا تواجه تحدياً أخلاقياً. تقول صوفيا هوفمان، باحثة العلاقات الدولية في جامعة إرفورت، لـ DW: “من الواضح أن نيكاراغوا ديكتاتورية. على عكس جنوب أفريقيا، التي ليست دولة ديمقراطية فحسب، ولكنها تمتلك تاريخاً ناصعاً في مكافحة العنصرية”.
وبعبارة أخرى، تتمتع جنوب أفريقيا بمصداقية أكبر على المسرح العالمي، بعد إنهاء نظام الفصل العنصري وانتقالها إلى الديمقراطية في التسعينيات. ومؤخراً صنف مؤشر للديمقراطية الخاص بمجلة إيكونوميست جنوب أفريقيا في المرتبة 47، وهي ليست بعيدة عن الولايات المتحدة وإسرائيل، بينما احتلت نيكاراغوا المركز 143 وصنفت من ضمن الأنظمة “الاستبدادية” متقدمة على روسيا بمركز واحد فقط.
وسيلة ضغط لا أكثر؟
وألمانيا ليست الحليف الوحيد لإسرائيل، لكنها واحدة من أقوى حلفاءها. وبعد واشنطن، كانت برلين أكبر مورد للأسلحة لإسرائيل بين عامي 2019 و2023، حيث استحوذت على 30% من الواردات، وفق “معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام” SIPRI. وأعطت الحكومة الألمانية الضوء الأخضر لعمليات توريد إضافية بعد هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول.
وتعلق صوفيا هوفمان: “إن فكرة أن الأسلحة الألمانية تساهم في قتل العديد من المدنيين – آلاف المدنيين والنساء والأطفال – هي فكرة فظيعة”.
قبل رفع قضيتها، أرسلت نيكاراغوا مذكرات دبلوماسية إلى عدد من الدول الغربية، بما في ذلك ألمانيا، التي تدعم إسرائيل أو سحبت تمويلها من الأونروا، وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين، بسبب الادعاءات الإسرائيلية المدعومة بشكل ضعيف بأن موظفين في الأونروا متورطون في هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
ربما كان للحملة الدبلوماسية بعض التأثير على تلك البلدان، حيث قام بعضها بإيقاف مبيعات الأسلحة مؤقتاً أو استئناف التمويل على خلفية تدهور الأوضاع في غزة. لكن ألمانيا لم تغير موقفها، حيث لم يتم استئناف تمويل الأونروا إلا في وقت سابق من هذا الأسبوع، وذلك بسبب التحقيق المستمر في المزاعم الإسرائيلية.
لا تملك محكمة العدل الدولية وسيلة لتنفيذ قراراتها، إلا أنها يمكن أن تزيد من الضغوط السياسية والعامة على الدولة الصادرة بحقها أحكامها.
وخصصت المحكمة يومين للنظر في القضية، هما 8 و9 أبريل/نيسان، مع منح كل من نيكاراغوا وألمانيا يوماً واحداً لتقديم المرافعات الشفوية. ويمكن أن يصدر الحكم في غضون أسابيع.