العمل الخيري الإنساني.. قوة الكويت الناعمة
كتب د. محمد حسين الدلال في صحيفة القبس.
القوة أحد مظاهر الدولة في علاقتها الخارجية، والقوة المقصودة ليست بالمعنى المادي من امتلاك سلاح وعتاد وتعد وترهيب وتسبيب الضرر للآخرين، وإنما تعني بالمفهوم الناعم من خلال أبراز الدولة ككيان مهم وحيوي، كيان لديه القدرة على التأثير في الآخرين عبر الجاذبية والاحتواء، وكيان يحسب له حساب في الإطار الإقليمي والدولي، وقد تبنت بعض الدول صورا مختلفة من القوى الناعمة التي مكنتها من تبوُّؤ مركز عالمي مؤثر، فالصين على سبيل المثال تميزت بقوة ناعمة من خلال حضورها وتأثيرها الاقتصادي، وبالأخص التجاري، وتميزت سويسرا بقوة ناعمة من خلال تبنيها سياسة الحياد الدولي، وباعتبارها مركزا ماليا آمنا، من خلال نظامها المصرفي.
تبنت دولة الكويت منذ الاستقلال وصدور الدستور القوة الناعمة في سياستها الخارجية وعلاقتها مع الغير من الدول والشعوب، فهي، من جانب، دولة تسعى للحياد والحرص على السلم والأمن الخليجي والإقليمي والدولي، وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، ومن جانب آخر، تميزت أيضا بقوة ناعمة مؤثرة كبيرة باعتبارها مركزا نشطا للعمل الخيري والإنساني، وقد توج ذلك عالمياً من خلال احتفال رسمي لمنظمة الأمم المتحدة في 9 سبتمبر 2014 باختيار دولة الكويت مركزاً للعمل الإنساني، ولم يأت هذا التتويج من فراغ، فلقد شمل عطاء الكويت الخيري والإنساني منذ عقود طويلة بعنايته الشعوب العربية والإسلامية وشعوب العالم، وقد عاد هذا العطاء للكويت وشعبها بالخير والدعم والتعاطف الدولي، وابلغ دليل على ذلك الدور الكبير الذي لعبه العمل الإنساني والخيري في تحرير الكويت من الغزو العراقي الغاشم، وصدق رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بالقول «صَنائعُ المعروفِ تَقِي مَصارعَ السُّوءِ».
لقد نجحت دولة الكويت من خلال دعمها الرسمي والشعبي لمؤسسات المجتمع المدني الخيرية في أبراز قوتها الناعمة من خلال نشاطها الخيري والإنساني لشعوب العالم، وقد تحقق هذا النجاح بفضل من الله، ومن خلال صور الدعم والتنسيق الرسمي والشعبي في العمل الخيري والإنساني من جانب، ووجود الرقابة المؤسسية المنضبطة وغير المقيدة للنشاط من جانب آخر.
منذ أيام قليلة حلت الذكرى العاشرة لتسمية الكويت مركزاً للعمل الإنساني، وتلك الذكرى تتطلب من دولة الكويت رسمياً وشعبياً استثماراً أكبر لمقومات القوة الناعمة في العمل الخيري والإنساني الكويتي، لتدعيم وجودها وتأثيرها، إقيليمياً ودولياً، ويتأتى ذلك من خلال توفير صور الدعم اللازمة من مؤسسات الدولة، تشريعياً ومالياً وإعلامياً، لإنجاح المؤسسات الرسمية المعنية بالعمل الخيري والإنساني، ودعم مؤسسات المجتمع المدني، الخيرية والإنسانية، لإنجاح أدوارها الرسمية والشعبية، محلياً وأقليمياً ودولياً. ويتحقق مثل هذا الدعم المؤسسي من خلال اعتماد رؤية استراتيجية متكاملة لدعم العمل الخيري والإنساني الكويتي، يتم صنعها بصورة مشتركة من خلال عقول مؤمنة بهذا النهج وصاحبة خبرة وتخصص من الجانبين الرسمي والشعبي، وتستهدف تلك الإستراتيجية أبراز القوة الناعمة للعمل الخيري والانساني الكويتي بصورة أكبر، وبتوظيف تلك القوة الناعمة نحو استفادة دولة الكويت بشكل مؤسسي لتعزيز مكانتها الإقليمية والدولية.
تساؤلات في الهيكلة
الأخبار متواترة بشأن نية الحكومة إعادة هيكلة مؤسسات الدولة المختلفة، فهناك أخبار بشأن إلغاء هيئات أو جهات حكومية، وهناك أخبار أخرى بشأن دمج هيئات مع جهات حكومية أخرى، وهناك أيضاً أخبار بشأن استحداث مؤسسات جديدة، وفي ضوء تلك الأخبار، ونظراً لأهمية وحساسية مثل تلك التوجهات بافتراض، جدلاً، صحة تلك الأخبار، ومن جراء غياب الشفافية المفترضة في الأداء الحكومي، وما يتبعه من ضعف التبرير الرسمي بشأن القرارات المتخذة، ما يستوجب معه أن نلفت أنظار الحكومة الى عدد من المسائل المرتبطة بإعادة الهيكلة، فابتداءً هل يوجد تصور جديد مدروس لهيكلة الدولة بنيت عليها عملية إعادة الهيكلة الحالية؟، وهل تم تقييم ودراسة مبررات إلغاء بعض الجهات وتأثير ذلك في مسار الدولة والأطراف العاملة فيها أو الأطراف المتعاملة معها؟، وهل الدمج لبعض الجهات يحقق إيجابيات لكل من الجهة المراد إلغاؤها والجهة التي دمجت بها؟، وهل بحثت مسألة التأثيرات السلبية بنقل وظائف قيادية وأخرى تنفيذية من جهات تم إلغاؤها لجهات مستقرة وتحقق نتائج تنموية وفق الخطط التنموية؟، وأخيراً هل يوجد جهاز متخصص وفني يقوم بهذه المهام ويضمن انسيابية ورقابة إيجابية لعملية إعادة الهيكلة، حتى تُستكمل بأحسن صورة ممكنة؟
ما سبق ذكره جملة من التساؤلات التي تُطرح في هذا المجال، وبلا شك هناك غيرها، آملاً من أعضاء الحكومة بحثها والعمل بها، مع تأكيد ضرورة الشفافية مع الشعب في هذه المسائل الحيوية.