“اتفاقية شنغن”.. أهميتها وتحدياتها
ُتعد “اتفاقية شنغن” نموذجًا للتعاون السياسي والاقتصادي في قلب الاتحاد الأوروبي، حيث تمثل قفزة نوعية في تحقيق التكامل بين دوله الأعضاء. وقعت 5 دول من الاتحاد الأوروبي هذه الاتفاقية في عام 1985، مع تحديد هدف رئيسي وهو تيسير حركة الأفراد والبضائع عبر حدودها، مما يعزز التنقل والتعاون بين هذه الدول.
لم تكن هذه الاتفاقية مجرد اتفاق إلغاء للتأشيرات، بل كانت رؤية طموحة لتحقيق توحيد أكبر بين الدول الأعضاء. تم تحقيق ذلك من خلال تنسيق السياسات والإجراءات الحدودية وتحسين آليات التعاون الأمني والقضائي، مما جعل من الممكن للمواطنين والشركات التنقل والتعامل بسهولة عبر هذه الحدود.
ويعتبر فضاء شينغن منطقة تنقل حر لا وجود بين دولها لمراقبة حدودية في الحالات الطبيعية. ويضم 26 دولة أوروبية، اثنتان وعشرون منها أعضاء في الاتحاد الأوروبي.
سميت المعاهدة بهذا الاسم نسبة إلى قرية لكسمبورغية تقع في المثلث الحدودي بين لكسمبورغ وألمانيا وفرنسا، جرى فيها التوقيع.
وفي 19 يونيو/حزيران 1990 وقعت معاهدة ثانية في قرية شنغن اللكسمبورغية حددت الآليات القانونية للتنفيذ.
ولم يبدأ سريان المعاهدة عمليا إلا في 1995، واستلزم توسيعُ فضاء شنغن على مستوى أوروبا معاهدةً أخرى وُقّعت في 2 أكتوبر/تشرين الأول 1997 في أمستردام بهولندا.
وفي 2004 انضمت دول أخرى أعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى فضاء شنغن عدا بريطانيا وجمهورية أيرلندا.
وفي 12 ديسمبر/كانون الأول 2007 توسع نطاق المعاهدة ليشمل دولا انضمت حديثا إلى الاتحاد الأوروبي، عدا قبرص وبلغاريا ورومانيا، كما أنه بات يشمل النرويج وآيسلندا.
وتوسع نطاق المعاهدة مجددا في 12 ديسمبر/كانون الأول 2008 ليشمل سويسرا، مع أنها ليست عضوا في الاتحاد الأوروبي.
وقبل هذا عدلت معاهدة لشبونة -الموقعة في 13 ديسمبر/كانون الأول 2007- القواعد القانونية المنظمة لفضاء شنغن بما سمح بتعاون أمني وقضائي أكبر بين الدول المشاركة في هذا الفضاء، سواء تعلق الأمر بالتأشيرات أو بالهجرة أو باللجوء السياسي.
تضم منطقة شنغن 26 دولة، 22 منها أعضاء في الاتحاد الأوروبي، و4 لا تنتمي إليها هي سويسرا وأيسلندا والنرويج ولختنشتاين. وتسمح لنحو أربعمئة مليون مواطن في الاتحاد الأوروبي، إلى جانب المقيمين بصفة قانونية، بحرية التنقل عبر الدول الأعضاء.
وأبرز النقاط الرئيسية في هذه الاتفاقية:
- إلغاء التأشيرات الحدودية: تُلغى التأشيرات الحدودية بين الدول الأعضاء، مما يتيح للمواطنين التنقل بحرية داخل المنطقة.
- تنسيق السياسات الحدودية: يتضمن التنسيق بين الدول لتوحيد الإجراءات الحدودية وتسهيل التفتيش والمراقبة.
- تعزيز التعاون الأمني: يشمل ذلك التعاون في مجالات مثل مكافحة الجريمة العابرة للحدود والهجرة غير الشرعية.
- تسهيل حركة البضائع: يهدف الاتفاق أيضًا إلى تسهيل حركة البضائع عبر الحدود البرية.
- التنسيق في مجال الشؤون القضائية والجمركية: يشمل التعاون في مجال القضاء والجمارك لتحقيق أقصى قدر من التناغم بين الدول.
تحديات الاتفاقية:
على الرغم من أهمية اتفاقية شنغن في تسهيل حركة الأفراد والبضائع في منطقة الاتحاد الأوروبي، إلا أنها واجهت عدة تحديات على مر السنوات. بعض تلك التحديات:
- أزمة اللاجئين: تفاقمت أزمة اللاجئين في أوروبا في السنوات الأخيرة، مما أدى إلى فرض بعض الدول قيودًا مؤقتة على حركة الأفراد عبر الحدود، وهو تحول يعارض مبادئ اتفاقية شنغن.
- تصاعد التهديدات الأمنية: بسبب التهديدات الأمنية المتزايدة، قامت بعض الدول بإعادة فرض فحص الحدود وتشديد التدابير الأمنية، مما يتناقض مع فكرة حرية التنقل في إطار شنغن.
- التطورات السياسية: تطورات سياسية مثل خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي (بريكست) قد تسبب تحديات فيما يتعلق بتنظيم حركة الأفراد بين الدول الأعضاء.
- تحديات الهجرة غير الشرعية: زيادة في تدفق الهجرة غير الشرعية قد أدت إلى تشديد الرقابة الحدودية لمواجهة هذا التحدي، مما يؤثر على حركة الأفراد في إطار اتفاقية شنغن.
- الظروف الاقتصادية: في بعض الحالات، قد تكون التحديات الاقتصادية والاجتماعية تلعب دورًا في إثارة قضايا تعصب ورفض لفتح الحدود.
إذًا، يتعين على دول الاتحاد الأوروبي السعي إلى تحسين آليات التنسيق وتعزيز التعاون الدولي. بالاستفادة من الدروس المستفادة وتطوير السياسات التي تحقق التوازن بين حقوق الأفراد ومتطلبات الأمان، يمكن لاتفاقية شنغن البقاء ركيزة أساسية لتحقيق الأمان والتكامل في قلب الاتحاد الأوروبي.