كيف تحل تركيا المشكلات المزمنة؟
كتب محمد نور الدين في صحيفة الخليج:
عندما رفعت تركيا شعار «صفر مشكلات»، مع بداية حكم حزب العدالة والتنمية، إنما كانت تحاول إطفاء النار بالبنزين كما يقال، وهذا غير ممكن خصوصاً أن تركيا تقع وسط حزام من المشكلات المزمنة، التي يختلط فيها التاريخي بالجغرافي بالديني بالاصطفافات السياسية.
في السنوات الأولى لشعار «صفر مشكلات»، بادرت تركيا إلى العديد من الخطوات، التي تعكس رغبة في حل المشكلات القائمة مع اليونان وسوريا والعراق وروسيا وقبرص، وفي الداخل كانت مبادرات لحل المشكلات المزمنة مع المكونات العرقية والمذهبية، فضلاً عن مشكلة تدخل العسكر في الحياة السياسية وإدارته لها من وراء الكواليس.
غير أنه سرعان ما بان أن هذه المشكلات تحتاج إلى معجزات لحلها، وأكبر دليل على ذلك أن تركيا مع أول امتحان يتعلق بالعلاقات الإقليمية، كانت أمام خيارات سهل عليها أن تنحاز إلى طرف دون آخر بعد بدء ما سمي ب«الربيع العربي»، وهذا كان يخالف أبسط قواعد «صفر مشكلات»، وتحولت تركيا من بلد يطمح إلى علاقات خالية من المشكلات، إلى بلد معزول من كل الصداقات باستثناء بلد أو بلدين. وفي الحقيقة إن هذا الانقلاب على شعار «صفر مشكلات»، تتحمل مسؤوليته الدول كلها، ومنها صاحبة الشعار، أي تركيا، فقد أظهرت الأحداث والتطورات لا سيما تلك المتعلقة بالجوار الجغرافي لتركيا، أن حل القضايا بالأعمال وليس بالنيات، وعلى رأس هذه العناوين الوضع في اليونان وسوريا والعراق، كما العلاقة مع حلف شمال الأطلسي.
فالخلافات مع اليونان قد تكون الأصعب بالنسبة لتركيا، حيث تستحضر الخلافات بينهما كل الأبعاد التاريخية والجغرافية والدينية، ووصل الأمر بالرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، كي يعلن صيف 2016، أن الديك إذا صاح في جزر يونانية يسمع صياحه على السواحل التركية، بل هدد أردوغان اليونان بأنه قد يكون من الضروري، إعادة النظر بمعاهدة لوزان (1923)، ورد عليه رئيس وزراء اليونان كيرياكوس ميتسوتاكيس، أن أي مطالبة بتعديل لوزان تعني العودة إلى اتفاقية «سيفر» (1920).
كذلك هدد أردوغان سوريا والعراق بعمليات عسكرية لملاحقة مسلحي حزب العمال الكردستاني، والمشكلة الكردية هنا ليست جديدة فهي موجودة منذ أربعين عاماً، ودائماً ما كانت تركيا تتوغل بعمليات برية وجوية لمطاردة الأكراد في البلدين، لكن المشكلة الآن أن أنقرة تنظر إلى الولايات المتحدة على أنها تحمي الكيان الكردي في شمال شرق سوريا، ومؤخراً اتهمت أنقرة بصورة غير رسمية واشنطن، بأنها ساعدت مقاتلي «الكردستاني»، على تنفيذ هجوم «متينا» في 12 من الشهر الجاري، في إقليم كردستان العراق، حيث قتل تسعة جنود أتراك.
وهكذا تحول العداء التركي مع الأكراد إلى عملية احتلال لقسم من شمال سوريا من قبل أنقرة، وإلى عمليات برية وجوية في شمال العراق، أكثر من ذلك تحول حلفاء تركيا في حلف شمال الأطلسي، مثل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا إلى خصوم يدعمون حزب العمال الكردستاني، أي أن سياسة صفر علاقات عمت لتشمل حتى ما يفترض اعتبارهم حلفاء لأنقرة.
وما تواجهه تركيا اليوم من امتحان هو الضغوط الأطلسية عليها، للموافقة النهائية على انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي، وهو ما قرره البرلمان التركي بانتظار تصديق الرئيس أردوغان.