رأي

القاهرة الهندوسية

كتب سعد بن طفلة العجمي في إندبندنت عربية.

 قبل أشهر من الانتخابات الهندية العامة وقبل أن يكتمل بناء معبد “رام” بمدينة أيودها بولاية أوتار براديش بشمال الهند بمدة طويلة، وبعد إنفاق ربع مليار دولار حتى الآن، افتتح رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الأسبوع الماضي المعبد، الذي بني على أنقاض “مسجد بابري” الذي بناه المغول المسلمون خلال القرن الـ16، وهدمه عام 1992 الهندوس العنصريون (المتطرفون) الذين يسميهم الإعلام الغربي القوميين الهندوس، الذين يرون بدورهم أن المسجد بني على أنقاض معبد الإله “رام” وهو ملك كانت مدينة أيودها مسقط رأسه، حسب اعتقادهم.

 في ذلك العام، تجمع مئات الآلاف من الهندوس العنصريين وهدموا المسجد بمعاولهم وفؤوسهم وبأيديهم، وقتل في تلك الأيام السوداء بتاريخ الهند الآلاف غالبيتهم من المسلمين، واستمرت آثار هدم ذلك المسجد وبناء معبد الإله “رام” بمكانه حتى اليوم، حيث يستهدف المسلمون وتهدم بيوتهم ومساجدهم ويقتل من يذبح البقر بينهم ومن يأكل لحومها ومن يمارس الزواج بين المسلمين والهندوس الذي يصفه الهندوس المتطرفون بـ”زواج الجهاد”، إذ يفسر على أنه مؤامرة لتحويل الفتيات الهندوسيات إلى الإسلام عبر الزواج والحب “الكاذب”.

 كان مودي حينها حاكم ولاية كوجارات المجاورة، وقد اتهم بالتورط المباشر بتلك المذابح والأحداث الدامية، لكن المحكمة العليا برأته من تلك التهم.

 بافتتاح المعبد قبل أيام، ألقى مودي كلمة عنصرية إقصائية تعزز هندوسية الهند وتلغي باقي أقلياتها وأكبرها من المسلمين الذين يتجاوز عددهم الـ200 مليون مسلم، ناهيك بالسيخ والمسيحيين والبوذيين وغيرهم، بل إن الهندوسية نفسها ليست بدين أو معتقد واحد، لكن لها ملايين من الآلهة، ولها نظام طبقي عنصري وتمييزي متخلف داخل الهندوسية نفسها.

 بناء معبد رام والعمل على “هندوسية” الهند، أكبر ديمقراطية بالعالم مكون حتمي لانفجار الوضع هناك باستمرار الإقصاء الديني بكل صوره.

فالهند بلد عظيم بتراثه وثقافاته وأديانه ولغاته التي تقدر بـ600 لغة، ولا يمكن له أن يستقر ويتعايش بسلام من دون الديمقراطية العلمانية التي تتعامل مع الإنسان وفق مواطنته وآدميته وليس وفق دينه أو ثقافته ولغته.

 يتعزز خطاب العنصرية الهندوسي الذي يطالب بالقضاء على المسلمين أو طردهم إلى باكستان وبنغلاديش المسلمتين اللتين انفصلتا عن الهند بعد استقلالهما عام 1947. ويتعزز هذا الخطاب بالعنف والقتل والاغتيالات.

يذكر أن قائد الاستقلال الرمز مهاتما غاندي الداعي إلى المقاومة السلمية اغتيل على يد هندوسي متطرف عام 1948، كما قتلت أنديرا غاندي رئيسة الوزراء على يد أحد حراسها من السيخ عام 1984، وقتل ابنها راجيف غاندي بتفجير انتحاري تاميلي عام 1991، وكان العنف العنصري وما زال مستمراً في تصفية رموز التعايش والعلمانية الهندية.

الهند بلد كبير وعدد سكانه تجاوز المليار و400 مليون نسمة، وله تاريخ عظيم وإسهامات هائلة بالحضارة الإنسانية، ولكن الوجه السياسي الحالي للهند قبيح بقبح أفعال حكومة ناريندرا مودي واستمرارها.

وتشير التوقعات إلى إعادة انتخابه للمرة الثالثة على التوالي في انتخابات مايو (أيار) المقبل، ليستمر القهر للمسلمين بالدرجة الأولى وللأقليات الأخرى ضمن سياسة ممنهجة “لهندسة” هذا البلد الهائل بصبغة زعفرانية أحادية.

باحتفالات افتتاح المعبد قبل أيام، اصطبغت البلاد باللون الزعفراني الذي يرمز للنار والرغبة والطهارة والنقاء، ولكنه النقاء الذي يترجمه الهندوس المتطرفون بتنقية البلاد من غيرهم، والطهارة التي يترجمها العنصريون منهم بتطهير البلاد من غيرهم.

 من المفارقات أن المدينة التي يعتقدون أنها مسقط رأس الإله رام (أيودها) تعني بالسنسكريتية المدينة التي لا تقهر، فيما تقهر كل من يعتدي عليها، أي إنها “القاهرة”، ولكنها ليست كقاهرة المعز بمصر المتسامحة المتعايشة والمسالمة، بل قاهرة لأقليات الهند التي يتلون بمجاميعها هذا البلد العظيم، وتنشد فرض لون زعفراني أحادي ملغية كل الألوان الأخرى.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى