رأي

الجولان السوري وتوربينات الهوى والهوان

كتب الدكتور حسن مرهج في صحيفة “رأي اليوم”، مقالاً جاء فيه  :

لا يخفى على أحد، أن سياسية إسرائيل تُجاه الجولان والجولانيين، لن تتوقف عند حدود الإقصاء والتهجير، وتوظيف الذرائع لإجبار الجولانيين على الرضوخ، والإستسلام للمشاريع الإستيطانية، وكذلك لن تتوقف إسرائيل عند حدود تمرير مشروع التوربينات الهوائية، فالواضح أن إسرائيل وساستها يخططون لِما هو أبعد من ذلك، وعليه فقد شهد الجولان حركات إحتجاجية غير مسبوقة، بين الجولانيين والسلطات الإسرائيلية، وذلك في مواجهة مشروع “توربينات الهواء”، الذي تحاول شركة “إنرجيكس” التابعة للحكومة الإسرائيلية تنفيذه منذ أن تم إقراره في كانون الأول/ ديسمبر عام 2020.

حركة الاحتجاجات بدأت بعد أن بدأت الشركة الإسرائيلية على نصب التوربينات في عدة مواقع، الأمر الذي أثار سخط الجولانيين، لِما لهذا المشروع من أثار سلبية، على مزارعهم وأراضيهم أولاً، والضوضاء الذي تتسبب به تلك التوربينات ثانياً، والأهم حجم الأضرار على البيئة والحياة الطبيعية ثالثاً، وأعمق من ذلك، فإن الجولانيين يدركوا أن وراء مشروع التوربينات، هدف استيطاني وتهويدي.

الحكومة الإسرائيلية وربطاً بحركة الإحتجاجات الواسعة ضد مشروع التوربينات، يبدو أنها تحاول إحتواء غضب الجولانيين، والالتفاف على حركتهم عبر لقاء مع الشيخ الروحي للطائفة الدرزية في جولس الجليل، في محاولة منها لتمرير المشروع، وربما إرضاء الجولانيين ببعض الميزات والإمتيازات، لكن في المقابل، لا يُخفي الجولانيين قلقهم من الممارسات الإسرائيلية، سواء في ما يتعلق بمشروع التوربينات الهوائية، أو غيره من المشاريع التي تهدف أولاً وأخيراً إلى فك ارتباط أهالي الجولان بوطنهم الأم سوريا.

السياسة الإسرائيلية في الجولان، أتسمت منذ قرار الضم في عام 1981، بالكثير من العنصرية والظلم تجاه أبناء الجولان، الذين لا يزالون يرفضون تهويده وسلخه عن سوريا، من هنا كان الرفض القاطع حيال الحصول على الجنسية الإسرائيلية، وهذا ما جعل العلاقة بين الطرفين مبنيةً على الضغوط من قبل السلطات الإسرائيلية، التي ولّدت انفجار الأهالي في وجهها، وهذا ما يدفع إلى التساؤل حول هذا التمييز والسياسة الإسرائيلية، وأسباب رفض الأهالي للمشروع، وما الذي يمكن أن يجري في الأيام القادمة؟.

واقع الحال يؤكد، بأن إسرائيل تسعى إلى تهويد الجولان، والأمر ليس بجديد، فقد خرج الجولانيين ومنذ العام 2020، في احتجاجات واسعة على مشروع التوربينات، خاصة أن أهالي الجولان يرون فيه مخططاً استعمارياً تهويدياً، يطال الجولان بأكمله، لكن الخطوة الإسرائيلية الأولى تقتضي الإستيلاء على الأراضي الزراعية، ضمن مساحة تتعدى 6 آلاف دونم، ليكون واضحاً لدى الجولانيين بأن هذه المساحة المُراد إغتصابها، إنما تهدف إلى تغير وجه الجولان، وتحويله إلى مستوطنة، وهذا الأمر يُعد انتهاكاً للاتفاقيات الخاصة بحماية الشعوب الواقعة تحت الاحتلال، وانتهاكاً لقرارات الأمم المتحدة وعلى رأسها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 497 لعام 1981، الذي يؤكد أن جميع الإجراءات الإسرائيلية في الجولان المحتل لاغية وباطلة.

من الواضح أن إسرائيل تسعى جاهدة إلى تهويد الجولان، وفك ارتباط الجولانيين بـ سوريا، لطمس معالم الجولان هويةً وأرضاً وتاريخاً، وذلك تمهيداً للإستيلاء على الجولان وجغرافيته بشكل كامل، وهنا لابد من التنويه إلى الأحداث التي شهدتها سوريا خلال سنوات الحرب، وتمرير مصطلح سوريا المفيدة، والذي هو في الأساس مصطلح من صناعة إسرائيل، وبالتالي حديث التقسيم ومصطلح سوريا المفيدة، فتح شهية إسرائيل لركوب موجة أن سوريا ستُقسم، وبالتالي ترى إسرائيل ومن خلال توقيت مشروع التوربينات، أن الفرصة مواتية ولا تُفوت في محاولة الإستيلاء على الجولان كاملاً، وطمس هويته الوطنية السورية.

وربطاً بما سبق، وبصرف النظر عن اللقاءات الإسرائيلية مع مشايخ الجولان الكرام، لكن العقبة الأساسية والوحيدة في وجه كل المخططات الإسرائيلية، وعلى رأسها مشروع التوربينات، هي أهالي الجولان السوريين هويةً وإنتماء، فهؤلاء يرفضون المشاريع الإسرائيلية جملةً وتفصيلاً، من هنا سارعت إسرائيل إلى فرض مشروع التوربينات لتصطدم بموجة واسعة من الإحتجاجات، كما سارعت إسرائيل في المقابل، إلى عملية الأسرلة في الجولان، ومحاولة إقناع الجيل الجديد من شباب الجولان، بأن سوريا الأم انتهت وعليهم الرضوخ والقبول بالجنسية الإسرائيلية، وهذا الأمر وفق المنظور الإسرائيلي، سيساعد إسرائيل في بلورة رأي عام عالمي، للإعتراف أممياً بضم الجولان.

وبالتالي، ولوضع التوصيفات الدقيقة في سياقها الصحيح، فإن إسرائيل تسعى وبكل وضوح، إلى أسرلة الجولان، وتهميش الهوية الوطنية السورية التي يحملها الجولانيين، بل ونسيانها، لكن لسان حال أهالي الجولان شيباً وشباباً يقول، باقون هنا وعائدون إلى الأم سوريا، ولن نسمح للمشاريع الإسرائيلية التهويدية بالمرور على هويتنا الوطنية السورية، ولعل صرخات أهالي الجولان نابعة من صرخات نصر الأم سوريا، الأمر الذي جعل من إسرائيل تُسارع لإتهام الدولة السورية بتحريض أهالي الجولان، على الانتفاضة في وجه المشاريع الإسرائيلية في الجولان، لكن حتى الآن لا تدرك إسرائيل، بأن الجولان وأهله، سوريون الهوى والهوية، وأن سوريا لا يمكن لها أن تنهار، كما أن أهل الجولان لن ينهاروا.

ان الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن “رأي سياسي” وإنما تعبر عن رأي صاحبها حصرًا.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى