حرب الأسعار تُنهك شركات التجارة الإلكترونية الصينية وتضغط على أرباحها

تخوض كبرى شركات التجارة الإلكترونية الصينية؛ مثل «علي بابا» و«ميتوان» و«جي دي.كوم»، سباقاً محموماً على السيطرة في قطاع «التجزئة الفورية» المزدهر، حيث تُغرق السوق بالخصومات والقسائم الترويجية بهدف جذب المستهلكين وزيادة حصتها السوقية. غير أن هذه الاستراتيجية، التي تقوم على دعم الأسعار بشكل مكثف، باتت تستنزف السيولة بشكل خطير وتضغط على هوامش الربح، في وقت يُثير فيه المستثمرون تساؤلات جادة حول استدامة هذه السياسات.
وقدّر محللون في «نومورا» أن الاستنزاف النقدي على مستوى الصناعة، تجاوز 4 مليارات دولار في الربع الثاني وحده، نتيجة لالتزام الشركات بضخ استثمارات ضخمة في هذا القطاع. وبحسب تقديرات وكالة «ستاندرد آند بورز غلوبال»، فإن الشركات الثلاث قد تُنفق ما لا يقل عن 160 مليار يوان (22.3 مليار دولار) خلال 12 إلى 18 شهراً المقبلة للحفاظ على مواقعها أو تعزيزها، وهو ما قد يؤدي إلى «مراجعات هبوطية كبيرة» في الأرباح، ويجعل من الصعب على هوامش الربح أن تتعافى في المدى القريب.
ضغوط تنظيمية ومخاوف استهلاكية
ولا تقتصر التحديات على المنافسة البينية فقط؛ بل تمتد إلى الضغوط التنظيمية من الحكومة الصينية، التي تُبدي قلقاً مزداداً من «دوامة هبوط الأسعار».
ففي اقتصاد يعاني بالفعل من ضعف سوق العقارات وتراجع الاستقرار الوظيفي، قد يؤدي استمرار حروب الأسعار إلى زيادة الضغوط الانكماشية، ما دفع السلطات إلى مطالبة الشركات بكبح الاستراتيجيات العدوانية.
وفي يوليو (تموز) الماضي، أصدرت الشركات الثلاث بيانات تتعهد فيها بالحد من هذه الحروب السعرية، استجابة لتحذيرات رسمية.
وقالت يينغ وانغ، كبيرة المحللين في «موديز»، إن التزامات الشركات مع الإجراءات الحكومية لمكافحة الانكماش من شأنها أن تُسهم تدريجياً في «ترشيد ديناميكيات المنافسة».
ويُتوقع أن تكون شركة «ميتوان» الأكثر تضرراً نظراً لاعتمادها الكبير على قطاع توصيل الطعام بوصفه مصدراً رئيسياً للإيرادات. أما «جي دي.كوم»، فقد محَت خسائرها في هذا القطاع أرباح الربع الثاني تقريباً، فيما تبدو «علي بابا» أقل تأثراً؛ كون التجزئة الفورية تمثل جزءاً أصغر نسبياً من أنشطتها.
وفي المقابل، نجحت منصة «بيندودو» التابعة لمجموعة «بي دي دي»، في الابتعاد نسبياً عن هذه المعركة، لكن ميزتها التنافسية في الأسعار بدأت تتآكل بسبب تخفيضات المنافسين. وقد اعترف تشاو جياتشن، الرئيس التنفيذي المشارك لمجموعة «بي دي دي»، قائلاً: «لا نعتقد أن مستويات أرباح هذا الربع مستدامة، ونتوقع تقلبات في الأرباح خلال الفصول المقبلة».
مكاسب طويلة الأجل رغم الخسائر
ورغم الألم قصير الأجل، تراهن الشركات على أن المكاسب طويلة الأجل تستحق التضحية، إذ يتوقع جيانغ فان، الرئيس التنفيذي لمجموعة أعمال التجارة الإلكترونية في «علي بابا»، أن يُضيف قطاع التجزئة الفورية تريليون يوان إلى حجم البضائع الإجمالي للشركة خلال ثلاث سنوات فقط. كما أظهرت البيانات ارتفاع عدد المستخدمين النشطين على منصات «جي دي.كوم» بنسبة 40 في المائة على أساس سنوي في الربع الثاني، فيما قفز عدد المستخدمين النشطين على تطبيق «تاوباو» التابع لـ«علي بابا» بنسبة 25 في المائة في أغسطس (آب)، بفضل دمج خدمات توصيل الطعام مع التجارة الإلكترونية التقليدية.
ويشبّه محللون في «يو بي إس» الوضع الحالي بلعبة «الدجاجة» عالية المخاطر، حيث يواجه كل لاعب احتمال أن تذهب استثماراته أدراج الرياح إذا تراجع أولاً أمام المنافسة. وبحسب تقديرهم، فإن حدة المنافسة ستستمر على الأقل حتى مهرجان التسوق (يوم العزاب) في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، والذي يُعدّ موسماً محورياً لقياس أداء القطاع.
ومع اقتراب موسم التسوق الضخم ومع استمرار الضغوط التنظيمية، ستظل حروب الأسعار عاملاً رئيسياً يحدد اتجاهات السوق وربحية الشركات. وبينما يراهن قادة القطاع على بناء قاعدة عملاء واسعة تعوض الخسائر لاحقاً، فإن الضغوط الحالية تُنذر بفترة طويلة من الضبابية قد تُعيد رسم خريطة التجارة الإلكترونية في الصين.