باسم المرعبي ـ ناشر موقع “رأي سياسي” :
لم يشهد لبنان الذي تعرض لحروب داخلية وإجتياحات واعتداءات اسرائيلية هذا الحجم من حركة النزوح في بضعة أيام، مما خلق حالة من الارباك الكبير على كافة المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والإغاثية، وبرز تقصير واضح وفاضح من قبل الدولة ومؤسساتها المعنية التي كانت في أجواء إمكانية حصول ما حصل، واقتصر عملها على تكثيف الاجتماعات، التي لم تخرج بخطط وإجراءات عملية لمواجهة هذا الحدث الذي سرعان ما تحول إلى كارثة حقيقية بمستوى الوطن.
ولمحاولة مواكبة هذه المصيبة والتقليل من حجم آثارها فهم أن اجتماعا تشاوريا لوزراء حكومة تصريف الأعمال سيعقد لهذه الغاية الاثنين المقبل وسينبثق عنه تشكيل لجان تؤلف كل لجنة من وزيرين للقيام بجولات على أماكن الإيواء للإطلاع على احتياجات النازحين والقيام بتوزيع المساعدات التي بدأت تصل إلى لبنان من عدة دول توزيعا عادلا ومتوازيا وشفافا على مستوى الحصص الغذائية والفرش والأدوية وأدوات التدفئة بحسب ما قاله أحد الوزراء لموقع “رأي سياسي “.
ورغم انه لا تتوفر أرقام دقيقة حول أعداد النازحين نظرا لتوزعهم بين منازل أقاربهم أو استئجارهم بيوتا خاصة من دون أن يسجلوا أنفسهم على لوائح قيد، الا ان واقع الاكتظاظ، والمشاكل المتفاقمة في مراكز الإيواء كبيرة جداً، مع ان ازمة النزوح تتجه الى التدحرج ككرة الثلج مع استمرار العدوان الإسرائيلي، وخصوصا بعد القصف الذي طال الضاحية الجنوبية لبيروت، وأسفر عن موجة نزوح جديدة وكبيرة نتيجة الغارات الجوية، حتى أن النزوح طال احياء في قلب العاصمة كان يظن أهلها بأنها آمنة، ناهيك عن التهديدات الإسرائيلية اليومية بتهجير العديد من الأحياء والمباني السكنية في الجنوب، والبقاع، والضاحية، ما يعمق الأزمة الإنسانية المستفحلة.
ورغم الجهود الحكومية لتنفيذ خطة طوارئ لتأمين مراكز إيواء وتوفير الاحتياجات الأساسية، فإن الأعداد الهائلة من النازحين تفوق الإمكانات المتاحة، مما يجعل التعامل مع معالجتها أكثر صعوبة، حيث لجأ معظم النازحين إلى المدارس التي تحولت إلى مراكز إيواء مؤقتة، يتم فيها تقديم مساعدات إنسانية محدودة بفضل الايادي البيضاء وبعض الميسورين والمغتربين، وسط تدخل رسمي خجول.
ومع استمرار الحرب قد تتحول هذه الأزمة الإنسانية إلى كارثة شاملة، لا تؤثر فقط على لبنان، بل أيضا على الدول الأخرى، خصوصا الأوروبية منها ، حيث من غير المستبعد أن يغادر الآلاف من النازحين اللبنانيين وغير اللبنانيين عن طريق البحر الى هذه الدول التي لم تحرك ساكنا بعد للضغط على العدو الاسرائيلي لوقف عدوانه على لبنان.
وانطلاقا من هذا، بدأت الدعوات للمسؤولين الذين لهم مصداقية عند المواطنين إلى التحرك والاتحاد والتضامن لتشكيل مجلس انقاذ اغاثي يتولى ادارة خطة مستقلة عن كل الجهود التي ما تزال قاصرة للدولة في تأمين الحد الادنى من الأمن السكني والغذائي للنازحين، إضافة الى ادارة خطة جمع تبرعات وتسخير امكانيات المغتربين الكبار الذين يعرفون غالبيتهم ويثق اغلبهم بهم.
ومن بين الطروحات ادارة آلية تحويل قوة المغتربين المالية الى قوة عملية على الارض، خصوصا ان لدى هؤلاء المسؤولين الخبرة الادارية، والخبرة الدبلوماسية والعلاقات والسمعة الحسنة عند بعض الدول، لأن الناس لا تطلب من هؤلاء المسؤولين تمويل خطة ادارة العمل فقط ، بل تطلب منهم بذل بعض الجهد لتطويع علاقتهم مع الدول العربية والإسلامية والأجنبية لتقديم التبرعات الى النازحين.
كما أن هناك إمكانية تقديم العون من قبل الميسورين في لبنان ، إذ لا يعقل أن يستأجر البعض منازل وشاليهات بآلاف الدولارات، فيما اخوتهم في الوطن وشركائهم في الكارثة يفترشون الأرصفة والشوارع ويلتحفون السماء، هذا النوع من المساعدة يقوي عملية التضامن ويحد من وجع الناس، ويمنع عمليات الإستغلال التي تظهر بوضوح في كثير من المناطق.
واختم لأقول أن أزمة النزوح ستتحول إلى كارثة حقيقية مع قابل الايام ما لم تسارع الدولة وأصحاب الأيادي البيضاء إلى إيجاد الحلول الجدية لهذه الأزمة على كافة الصعد وتوزيع المساعدات بشكل عادل وشفاف ومتوازن، على اكثر من مليون ونصف المليون نازح، وهو عدد قابل الارتفاع مع توسع نطاق العدوان خصوصا وأننا على عتبة الدخول إلى فصل الشتاء.