رأي

إعادة المهاجرين الأفارقة من تونس.. مهمة منْ؟

كتب مختار الدبابي ف صحيفة العرب.

تونس تعرف أنها لم تعد دولة عبور فقط، فهي قد تتحول إلى دولة وصول تماما مثل إيطاليا، وإذا شدد الأوروبيون الحراسة وفعّلوا الإجراءات الأمنية من جانب واحد فسيصبح الأمر معقدا.

عادت قضية المهاجرين الأفارقة المتمركزين في ولاية (محافظة) صفاقس إلى الواجهة من جديد، وهذه المرة طرحتها السلطات التونسية للبحث عن مخارج لإعادة هؤلاء إلى بلدانهم الأصلية. واضح أن تونس لم تعد تتحمل أعباء بضعة آلاف على أراضيها. أعباء مالية وتكاليف، وخاصة تأثيراتها الاجتماعية في ظل شكاوى مستمرة من قرى محيطة بالولاية من الوضع الأمني والاجتماعي والاقتصادي الذي أنتجه وجود المهاجرين الأفارقة.

المشكلة معقدة، فليس سكان القرى المحيطة بالولاية المتضررين المباشرين من الظاهرة هم من يحتجّون، فالمهاجرون أنفسهم غاضبون، وهذا الغضب يؤدي إلى احتكاكات وتضخم نزعة عدائية من الجانبين. السكان المحليون يريدون “تحرير” زياتينهم من الغرباء، وهي مورد رزقهم الأساسي فيما يطالب الأفارقة الحكومة التونسية بإخلاء سبيلهم ليهاجروا أو على الأقل مساعدتهم على تحسين وضع المعيشة والإقامة المؤقتة إلى حين الوصول إلى حل.

وأكد الرئيس التونسي قيس سعيد أن بلاده “قدّمت كل ما يمكن تقديمه بناء على القيم الإنسانية وتحمّلت الكثير من الأعباء ولا يُمكن أن يتواصل الوضع على ما هو عليه”، مؤكدا “مضاعفة العمل على المستوى الدبلوماسي لتأمين العودة الطوعية للمهاجرين غير النظاميين المتواجدين على التراب التونسي إلى بلدانهم الأصلية في أقرب الأوقات”.

وتكمن أسباب هذا التعقيد في أن تونس ملتزمة تجاه الأوروبيين بمواجهة عمليات التهريب العشوائية للأجانب عبر مياهها البحرية مقابل دعم اقتصادها. ويستمر هذا الالتزام بالرغم من الغموض الذي يلف بالتزام الاتحاد الأوروبي دعم تونس بقرابة مليار دولار ضمن حزمة التزامات منها ضرورة اتفاق تونس مع صندوق النقد الدولي.

لا تمتلك تونس الإمكانيات اللوجستية الكافية لمواجهة مهربي البشر، ولا الإمكانيات البشرية، وليس في وسعها مضاعفة ميزانية مهمة التصدي للهجرة لأن لديها تحديات اقتصادية واجتماعية أخرى كبيرة، وهي تعمل على ملاءمة إمكانياتها مع وضعها الداخلي في ظل أزمة مالية واقتصادية حادة من تأثيرات كوفيد – 19 وآثار الأزمة الغذائية العالمية، فضلا عن سوء إدارة داخلية متراكمة منذ ما بعد ثورة 2011.

ويبدو أن دول الاتحاد الأوروبي المعنية بالمهاجرين، مثل إيطاليا، تنظر إلى الجزء المملوء من الكأس من خلال الإشادة بسياساتها لوقف تدفقات الهجرة من دون النظر إلى ما وراءه.

لا تكفي الزيارات ولا توزيع الابتسامات بين كبار المسؤولين لإظهار الدعم لدول جنوب المتوسط التي تقوم بدور كبير لوقف موجات الهجرة، وخاصة تونس التي يفترض أن يتعامل معها الأوروبيون كملف خاص لأنها ممر رئيسي للمهاجرين أولا، وثانيا لأن وضعها الاقتصادي لا يسمح لها بتركيز كل جهودها وإمكانياتها للعب دور الشرطي الحازم وإهمال بقية مصالحها، وثالثا لأنها تتعرض لضغط داخلي بالتخلي عن مهمة صد المهاجرين طالما أن أوروبا مترددة وتعمد إلى التسويف والمماطلة.

وأيّ سلطة مهما كانت شعبيتها، فإنها ستخير الاستجابة لمطالب الشارع المحلي على تنفيذ سياسات مناوئة له خاصة حين تقابل بنكران الجميل من أوروبا.

ولن يجد قيس سعيد القدرة على الاستمرار في الالتزام بالاتفاق إذا استمر التردد الأوروبي، خاصة أن موجات الهجرة من المنتظر أن تتضاعف في ظل التوترات في أفريقيا والشرق الأوسط، وستكون أوروبا في حاجة أكبر إلى شركائها بجنوب المتوسط كي يضاعفوا مساعيهم في مهمة التصدي لتهريب البشر.

تعرف تونس أنها لم تعد دولة عبور فقط، فهي قد تتحول إلى دولة وصول تماما مثل إيطاليا، وإذا شدد الأوروبيون الحراسة وفعّلوا الإجراءات الأمنية من جانب واحد فسيصبح الأمر معقدا، ولذلك هي تتحرك ضمن مقاربة الشراكة وتريد إنجاحها، وكفّت في خطابات بعض المسؤولين عن التلويح بالتخلي عن دورها.

ويقوم جزء من خطة الشراكة، بعيدا عن الالتزامات الاقتصادية المباشرة، على إعادة المهاجرين من تونس وليبيا وغيرهما إلى بلدانهم الأصلية. لكن السؤال من سيعيدهم وكيف؟ هل الأمر متروك لدعم المنظمات التي تعنى بالمهاجرين أم أن أوروبا يجب أن تساعد في تأمين هذه العودة لوجستيا ومن خلال مشاريع واستثمارات في دول الساحل لمنع تدفق المهاجرين
واللاجئين.

إن حديث وزير الخارجية التونسي محمد علي النفطي عن “ضرورة تعزيز التعاون مع المنظمة الدولية للهجرة لضمان العودة الطوعية للمهاجرين غير النظاميين” يمكن أن يفهم في سياق أن تونس لا تجد تجاوبا مع شركائها الأوروبيين لحل هذه المشكل وتنفيذ أهم بند في اتفاق الشراكة الإستراتيجية، وهو تأمين عودة المهاجرين إلى بلدانهم حتى لا يفهم بقاؤهم في تونس على أنه ضمن سياسة توطين اللاجئين في بلدان العبور ، وهي السياسة التي رفضها قيس سعيد أكثر من مرة.

وقال النفطي، خلال لقائه برئيس بعثة المنظمة الدولية للهجرة في تونس عزوز السامري، “من المهم كذلك مضاعفة جهود التنسيق بين المنظمة الدولية للهجرة والسلطات التونسية لتوفير الظروف الملائمة لتأمين العودة الطوعية لهؤلاء المهاجرين غير النظاميين المتواجدين على التراب التونسي، وذلك في كنف الاحترام الكامل لحقوقهم الإنسانية وحفظ كرامتهم”.

يمكن أن تساعد المنظمات في تأمين العودة الطوعية للمئات من المهاجرين من خلال حوارات مباشرة معهم والاتصال ببلدانهم وتوفير طائرات وتأمين العودة لوجستيا، ومنح كل لاجئ مساعدات نقدية رمزية حتى لا يعود خالي الوفاض. لكن المشكل لا ينتهي هنا، لأن عودة الأفراد لا تنهي الظاهرة، فالدوافع التي دفعت المهاجرين الحاليين إلى المغامرة ما تزال موجودة وهي آخذة في التوسع مع توسع الفقر والجوع والجفاف والصراعات السياسية والقبلية والعرقية.

تحتاج أوروبا إلى أن تظهر جديتها في تنفيذ مقاربتها للحد من الهجرة، فالشراكات الأمنية مهمة، ودعم دول العبور على نقصه ومحدوديته مهم، لكن يبقى الأهم وهو تنمية أفريقيا لمعالجة جذور الظاهرة، وهو ما سبق أن أشارت إليه رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني حين قالت إن مكافحة الهجرة غير القانونية “تتطلب تنمية البلدان الأفريقية، واستثمارات تسعى إلى تعزيز هذه المقاربة الجديدة” على المستوى الأوروبي.

لكن الحقيقة أن وضع أوروبا الآن لا يسمح لها بتنفيذ برامج وخطط اقتصادية كبيرة في أفريقيا لاعتبارات كثيرة منها أن اقتصاداتهم لم تعد قادرة على تحمل أعباء جديدة، وأن أنظمتهم المجتمعية القائمة على الرفاهية القصوى لخدمة المواطن الأوروبي باتت عاجزة عن أداء دورها في ظل ارتفاع أعداد المهاجرين وتمتعهم بالخدمات.

تضاف إلى ذلك المخاوف الأمنية وصعود اليمين الشعبوي الذي يعتقد أن حل أزمة أوروبا يكمن في طرد المهاجرين ووضع إستراتيجية لوقف تدفق أعداد جديدة.

ويحتاج وضع المهاجرين المستقرين مؤقتا في دول جنوب المتوسط إلى حل يراعي ظروف دولهم الأصلية ودول العبور ومصالح أوروبا وأمنها، على أن يكون حلا جماعيا واقعيا، وألا يترك لردات الفعل والمزايدات أو التغاضي، خاصة أن الملف يمكن أن يصبح ملفا أمنيا داخليا في كل بلد كما أنه يعطي مبررات لزيادة منسوب العنصرية وكراهية الأجانب.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى