أبرزرأي

ستارمر يؤيد كييف بالقول… وترامب بالفعل؟

كتب عمّار الجندي, في “النهار” :

حاول الزعيم البريطاني أن يتصدر جهود الدعم الأوروبي لأوكرانيا، داعياً إلى تشكيل قوة “حفظ سلام” أوروبية للوقوف بين الغزاة الروس وبين ضحيتهم. وقوبلت مبادرته بالرفض المتوتر من جانب المستشار الألماني أولاف شولتس، كاقتراح “سابق لأوانه ” يُخشى أن يفاقم العلاقة مع روسيا.

“نعيش في عالم دونالد ترامب، حيث القوة، لا القانون، هي معيار الحق والباطل”. هذا ما قاله أليكس يونغر، رئيس جهاز الاستخبارات البريطانية (إم أي 6) سابقاً. وهذا ما أدركه زعماء وسياسيون أوروبيون فأخذوا يعيدون ضبط ساعاتهم على توقيت البيت الأبيض.

منهم من راح “يكوّع” كبوريس جونسون رئيس الوزراء البريطاني الأسبق الذي ملأ الدنيا صراخاً ضد الغزو الروسي لأوكرانيا. وعندما اضطر إلى الاختيار بين أوكرانيا والرئيس الأميركي، اختار الأخير. إلا أن نجم هذا “المهرج” قد أفُل بسبب فضائحه، ولم يعد موقفه مهماً، خلافاً لكير ستارمر الذي حذا حذوه حيال كييف، كما يبدو، وإن بطريقة مختلفة. فقد فضّل رئيس الوزراء البريطاني أن “يحكي” لمصلحة أوكرانيا بنبرة مرتفعة باضطراد و”يفعل” ما يفيد الهجمة الترامبية عليها، كما يبدو.

حاول الزعيم البريطاني أن يتصدر جهود الدعم الأوروبي لأوكرانيا، داعياً إلى تشكيل قوة “حفظ سلام” أوروبية للوقوف بين الغزاة الروس وبين ضحيتهم. وقوبلت مبادرته بالرفض المتوتر من جانب المستشار الألماني أولاف شولتس، كاقتراح “سابق لأوانه” يُخشى أن يفاقم العلاقة مع روسيا. أما دونالد توسك رئيس الوزراء البولندي، فلم يكبد نفسه عناء انتقاد الفكرة، بل اكتفى بالتأكيد أن وارسو لن ترسل جنوداً إلى أوكرانيا.

هكذا سلّط ستارمر الضوء على عجز أوروبا عن القيام بجهد موحد ضد سيد البيت الأبيض الذي صار المحارب الجسور الذي يعرف ما يريد خلافاً للقارة التي تتقاتل مع نفسها. وهذا يعزز موقف الرئيس الأميركي وشعبويته، أقله على مستوى الصورة.

وفي الواقع، تدعم مبادرة ستارمر التي لا تتمتع بالصدقية أو الوضوح، عملياً “صفقة” الزعيم الأميركي الذي رحب بها بقوة قائلاً إنها “عظيمة، وأنا معها قلباً وقالباً.”. وأثار تأكيد رئيس الوزراء البريطاني أن بلاده “جاهزة ومستعدة” لنشر جنودها في أوكرانيا انتقادات قاسية. مثلاً، قائد القوات البريطانية البرية الأسبق الجنرال ريتشارد دانيت، قال: “إذا كان جاداً بشأن مساعدة كييف على الأرض عليه أولاً أن يرصد المزيد من المال لدعم القوات المسلحة. وإلا كيف لجيش يضم 73 ألف جندي أن يؤدي مهمة قد تحتاج إلى نحو 150ألف جندي؟!”.

ولفت آخرون إلى أن التوصيف بقوات “حفظ السلام” في نزاع ما ينطبق على عسكريين تابعين لجهة محايدة لم تنخرط فيه سياسياً وعسكرياً، كما فعل الأوروبيون. ولهذا، هل يُعقل أن تقبل روسيا بوقوف قوة أوروبية “مسالمة غير مقاتلة” بين جنودها وجنود العدو؟ الغريب أيضاً أنه قدم المبادرة قبل نهاية المفاوضات بين واشنطن وموسكو، وكأن الطرفين سيتفقان وأن ترامب سيفرض “الصفقة” بالقوة، وبالتالي تكون هناك حاجة لمن يحفظ السلام المزعوم. لكن أوكرانيا تقول إن “الصفقة” التي يجري طبخها من وراء ظهرها، لن تمر. فلماذا لا يصدقها ستارمر؟ أم أن جلّ هدفه هو “المزايدة” لاستمالة ترامب، مثلما اتهمه منتقدوه؟

من جانبه، سارع توسك إلى رفع مستوى الإنفاق الدفاعي الى 4.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، فكان أكثر سخاءً من كل أعضاء حلف شمال الأطلسي (ناتو). وهذا قد يعود في جزء منه إلى خوفه من غزو روسي وشيك لبولندا بعد جارتها. غير أنه، في جانب منه، يلبي رغبة زعيم “العالم الحر”. وقد غمر بيت هيغسيث وزير الدفاع الأميركي بولندا بالثناء على هذا الموقف. وأطلعت واشنطن وارسو لوحدها، كما يبدو، على استراتيجية التفاوض التي سيتبعها الأميركيون مع موسكو. وإذ امتدح وزير الخارجية البولندي رادوسلاف سيكورسكي الخطة الأميركية أوصى زعيمه بالتعامل بود وليونة مع ترامب.

وشولتس، الذي كان أخيراً في عين “عاصفة جي دي فانس” نائب الرئيس الأميركي، باتت أيامه معدودة في منصبه الحالي كما يغلب الظن. ولعل المهلة المتبقية له لن تكفي للرد على الرسوم الجمركية الأميركية التي تعهد قبل فرضها برد أوروبي حازم في غضون ساعات من الإعلان عنها. وقد مرت أسابيع ولايزال الأوروبيون بانتظار وفاء المستشار بتعهده.
هذا التخبط السياسي يرفده تهالك عسكري، أظهره اقتراح ستارمر، وعبّر عنه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بطرافة قائلاً: “يبدو أن بوتين هو العضو الأكثر نفوذاً في الناتو”!

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى