
حسين زلغوط
خاص- موقع “رأي سياسي”:

في مشهد أعاد إلى الأذهان حقبات التسوية المشحونة في الشرق الأوسط، عاد اسم دونالد ترامب إلى واجهة الجدل السياسي والدبلوماسي بعد طرحه ما سُمّي بـ”اقتراح غزة”. مبادرة يسوّقها الرئيس الأميركي، كحل شامل لإنهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وفتح الباب أمام إعادة الإعمار والتطبيع الإقليمي. لكن السؤال الملح: هل يمتلك هذا الاتفاق فرصًا حقيقية للصمود، أم أنه مجرد مشروع علاقات عامة آخر محكوم عليه بالتآكل في مهب الريح؟
فوفقًا لتقارير متعددة الاتجاهات، يقوم اقتراح ترامب الذي بدأت حركة”حماس” والحكومة الاسرائيلية التفاوض حوله في شرم الشيخ على صفقة ثلاثية الأبعاد: وقف إطلاق نار طويل الأمد تشرف عليه قوى إقليمية وغربية، وإعادة إعمار شاملة لقطاع غزة بتمويل خليجي ودولي، تتضمن البنية التحتية والمرافق الصحية والتعليمية، ونزع سلاح “حماس” والفصائل المسلحة كشرط أساسي، مع دمج السلطة الفلسطينية أو جهة تكنوقراطية محلها في إدارة القطاع.
ورغم ما يحمله الاقتراح من وعود تبدو مغرية للبعض، إلا أن البيئة السياسية المتوترة تُضعف من فرص صموده لعدة أسباب جوهرية هي:
-غياب الثقة بين الأطراف
فإسرائيل ترى في أي تسوية لا تضمن تحييد كامل لحماس تهديدًا أمنيًا طويل الأمد، بينما ترى حماس أن نزع سلاحها يعني نهايتها السياسية والعسكرية، خصوصًا في ظل ما تعتبره “نصرًا صموديًا” أمام آلة الحرب الإسرائيلية.
-الانقسام الفلسطيني
من جهتها فان السلطة الفلسطينية فقدت كثيرًا من شرعيتها الشعبية، ولا تحظى بتوافق وطني يمكنها من ملء فراغ في غزة دون أن تواجه رفضًا شعبيًا وفصائليًا.
التنافس الإقليمي والدولي
ان إيران وتركيا تعارضان أي تسوية تستثني حلفاءهما أو تستهدف سلاح “المقاومة”، بينما تسعى دول كالسعودية ومصر والإمارات إلى حل يضمن الاستقرار الإقليمي دون إعطاء إسرائيل تفويضًا مطلقًا.
العامل الإسرائيلي الداخلي
والعامل المهم هو ان حكومة اليمين في إسرائيل بقيادة نتنياهو لا تبدو مستعدة لتقديم تنازلات سياسية حقيقية، بينما يعارض اليمين المتطرف أي دور لحماس أو حتى للسلطة في غزة.
ورغم كل هذه العقبات، يرى بعض المحللين أن اقتراح ترامب ـ حتى وإن لم يُطبّق حرفيًا قد يشكّل نقطة انطلاق نحو صيغة معدّلة تنضج بفعل الضغط الدولي وتعب الشارع الفلسطيني والإسرائيلي من دوامة الحرب. فكل من واشنطن وتل أبيب والعواصم العربية الكبرى بحاجة إلى استراحة تعيد ضبط الإيقاع الإقليمي.
لكن فرص النجاح تبقى رهينة لعوامل خارجة عن نصوص الاتفاق نفسه: من يحكم غزة؟ من يضمن الأمن؟ ومن يدفع كلفة الإعمار سياسيًا واقتصاديًا؟
قد يصمد اقتراح ترامب لفترة كاتفاق هدنة، أو كأداة تفاوض بين أطراف متناقضة، لكنه لن يتحول إلى اتفاق دائم إلا إذا توافرت له عناصر الشرعية الشعبية، والدعم الدولي المتوازن.
وازاء ما تقدم فأن “اتفاق غزة” بنسخته “الترامبية” يبدو انه، سيواجه اختبارًا صعبًا ليس فقط كخطة سياسية، بل كمرآة تعكس عمق تعقيدات الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وافتقار المنطقة إلى رؤية شاملة تتجاوز الأزمات إلى حلول عادلة ومستدامة.