الراعي متسائلًا… لمصلحة من هذه الفوضى في السلاح وقرار الحرب من خارج قرار الدولة؟
بعد الإنجيل، ألقى الراعي عظة بعنوان “ها أنا معكم كل الأيام إلى نهاية العالم” .(متى 28: 20). وقال فيها: “بهذه الكلمة الأخيرة التي ختم بها ربنا يسوع الأربعين يوما من ظهوراته لتلاميذه قبيل صعوده إلى السماء، أكد لهم ولكل مؤمن ومؤمنة مواصلة رسالته ذات البعدين: أنا معكم كل الأيام فاديا لخطاياكم بموتي، ومانحا إياكم الحياة الأبدية بقيامتي بموته تكفيرا عن خطايا البشرية جمعاء كشف وجه العدالة الإلهية التي “جعلته خطيئة من أجلنا، هو الذي لم يعرف خطيئة” (2 كور 5: 21). وبقيامته المنتصرة على الخطيئة والموت كشف وجه الرحمة الإلهية التي هي أقوى من كل خطيئة وشر. الرحمة الغافرة والعدالة لا تنفصلان. ولكن لا غفران من دون عدالة”.
أضاف: “من هذا المعين اللاهوتي، استمدت كلمتها الأولى زوجة الشهيد باسكال سليمان، المهندسة ميشلين يوسف وهبة، فيما الألم يعتصر قلبها وقلب كل من ابنتها وابنيها، إذ قالت: “مسيحنا قام من الموت، وتغلب عليه. نحن أبناء الرجاء والحياة. نحن أبناء اللاخوف. منشان هيك ما منخاف، وما راح نخاف حتى من الموت”لم تتلفظ بما نسمع اليوم صباحا ومساء، في الحرب والنزاعات والإعتداءات، بكلمة “ثأر” أو “قتل” أو “إتهام”. بل غفرت بصمت وفقا لثقافتها الإيمانية، تاركة قرار العدالة إلى القضاء، يقينا منها أن “العدالة أساس الملك”. عندما مست جمرة الوجع الكبير كيان هذه الزوجة والأم، فاح أريج إيمانها. فرفعت فكرها وعقلها وقلبها إلى السماء، حيث حبيب قلبها ورفيق دربها وأبو أولادها يشارك في مجد القيامة. ومن خلال ما أنزل به المجرمون الخاطفون القتلة من شر، رأت إستكمالا لما تحمل ربنا يسوع فادي الإنسان ومخلص العالم من تعذيب وآلام وصلب وهزؤ، ليفتدي خطايا كل إنسان بآلامه وموته مصلوبا، وليخلص بمحبته العالم الرازح تحت الشرور بقوة قيامته. لقد كثر الشر على أرض لبنان، فالحاجة ماسة إلى فداء”.
وتابع: “بدلت بكلمتها المنطق السائد، والمتأجج وهو منطق الإنتقام والثأر والتحريض والإشاعات وبث المعلومات الكاذبة وخلق أجواء محمومة واتهامات، وبها دعت إلى تهدئة هذه الأجواء، وإلى الثقة بالأجهزة العسكرية والأمنية وبخاصة الجيش الذي تمكن بمخابراته من كشف ملابسات الخطف والإغتيال، وإلى الثقة بالقضاء مع عدم تسييسه. فكلهم يتولون التحقيق من دون ضجيج وتصريحات استباقية، والمهم معرفة أهداف الجريمة ومن وراءها. فالحقيقة ستظهر لا محالة، كما يؤكد الرب يسوع: “لا خفي إلا سيظهر، ولا مكتوم إلا سيعلم ويعلن” (لو 12: 2). واعرب عن اسفه أن يكون مقترفو هذه الجريمة من النازحين السوريين الذين استقبلهم لبنان بكل روح إنسانية، ولكن بعضهم يتصرفون بشكل غير إنساني، ويرتكبون الجرائم المتنوعة بحق اللبنانيين وعلى أرض لبنان. وباتوا يشكلون خطرا على اللبنانيين في عقر دارهم. فأصبح من الـملح إيجاد حل نهائي لضبط وجودهم مع الجهات الدولية والمحلية المعنية، بعيدا عن الصدامات والتعديات التي لا تحمد عقباها. ومن واجب السلطات اللبنانية المعنية معالجة هذه المسألة الجسيمة الخطورة بالطرق القانونية والإجرائية”.
وقال: “لبنان الرازح تحت أزماته الإقتصادية والمالية، ونزيف أبنائه بهجرتهم، لا يتحمل إضافة أعباء نصف سكانه. وهذا ما تعجز عنه كبريات الدول. ومن ناحية أخرى يجمع المعلقون على هذا الخطف والاغتيال، في منطقة الشهيد باسكال الآمنة أن السبب الأساسي الذي يستسهل الإجرام المغطى سياسيا من النافذين، والهارب من وجه العدالة أو المتمرد عليها وعلى القضاء، هو عدم انتخاب رئيس للدولة. وبالتالي حالة الفوضى في المؤسسات الدستورية والوزارات والإدارات العامة وانتشار السلاح بين أيدي المواطنين والغرباء العائشين على أرض لبنان متسائلا لمصلحة من هذه الفوضى في الحكم والإدارة والقضاء والسلاح وقرار الحرب والسلم من خارج قرار الدولة؟”
أضاف: “إن الثقافة الإيمانية التي أظهرتها زوجة الشهيد تربت عليها في بيتها الوالدي الذي نعرفه معرفة شخصية، فمذ كنا في خدمة أبرشية جبيل العزيزة، تعرفنا عن قرب إلى والدها السيد يوسف أديب وهبه الذي تولى رئاسة بلدية ميفوق العزيزة، وكان دائما في استقبالنا كلما زرنا الرعية أو مررنا بها في طريقنا إلى سيدة إيليج. كما تعرفنا إلى المرحومة والدتها نسب الحاج بطرس، وقد ربياها مع شقيقاتها الأربع على القيم الروحية والأخلاقية والإجتماعية، هذه الخصال نمت في حياتها الزوجية مع عزيزها الشهيد باسكال، وهو إبن بيت كريم من ميفوق العزيزة. والده المرحوم رشوان سليمان، ووالدته الثكلى السيدة هند أسد سليمان التي يعتصر قلبها وجع الأم. على يدهما تربى باسكال مع شقيقيه على الإيمان المسيحي والأخلاق الإنسانية والروح الوطنية. أحب لبنان وشعبه، وقد عاش في منطقة تاريخية عريقة مدنيا وكنسيا ما بين عمشيت وجبيل وبلدته ميفوق وسيدة إيليج. ما عزز في قلبه محبة الوطن والمحافظة عليه ورفع إسمه عاليا. بهذه الإستعدادات تلقى دروسه في مدرستي راهبات القلبين الأقدسين وراهبات الوردية في مدينة جبيل. ثم حاز على شهادة المعلوماتية من الجامعة اللبنانية. ومن بعدها تابع دراساته العليا في جامعة السوربون بباريس ونال شهادة الماستير في علم الإدارة. وبعد عودته إلى لبنان ارتبط بسر الزواج المقدس مع الدكتورة ميشلين عام 2004. عاش الزوجان حياة زوجية سعيدة، باركها الله بثمرة الإبنة والإبنين، فسهرا على تربيتهم أحسن تربية، وعلى تأمين جو من الفرح والسعادة لينموا فيه. فقام بواجبه بعرق الجبين من خلال وظيفته في بنك بيبلوس طوال ثلاثين سنة. لكن إغتيال الزوج والوالد كسر عمود البيت. ولا شك في أنك يا زوجته المؤمنة ستتحملين المسؤولية كاملة بالإتكال على العناية الإلهية، وباسكال من السماء يعضدك وأولادك في شركة القديسين”.
وتابع: “بغيابه يخسر حزب القوات اللبنانية عنصرا أساسيا من عناصره، وهو حاليا منسق منطقة جبيل. دخل صفوف القوات والتزم بها وبمبادئها وبموجباتها تعزيزا للدولة والوطن وخدمة للبنانيين. لم يغب عن ضميره صوت دماء ألوف الشهداء الذين ضحوا بحياتهم ليحيا لبنان، ويحيا اللبنانيون مخلصين لهذا الوطن الذي لم يفتد بالبخيس من المال، بل بالدماء الزكية وقد أراقوها على أرضه ومن أجله دون سواه، حفاظا على كرامة الوطن وشرف المواطنين. وفي كل مرة كان يمر بسيدة إيليج كانت ذكراهم تتجدد في قلبه. بهذه المسؤولية التزم وخدم وضحى وأعطى. وها الجماهير المعزية التي تقاطرت إلى عمشيت وجبيل وبيروت وميفوق دونما انقطاع لدليل قاطع على إستنكار الجريمة النكراء من جهة، وعلى سقوط باسكال عن كل واحد وواحدة منا من جهة أخرى. إنه بسقوطه يقوينا لنصمد في الإيمان بأننا أبناء القيامة والرجاء واللاخوف، وبأن المسيح هو سيد العالم والتاريخ وله الكلمة الأخيرة: كلمة الحياة لا القتل! كلمة المحبة لا الحقد! كلمة السلام لا الحرب! كلمة الحق لا الباطل، كلمة الأخوة لا العداوة”.
وختم الراعي: “باسمكم جميعا أيها المشاركون أتقدم بالتعازي الحارة من زوجة الشهيد باسكال وابنته وابنيه ووالدته وشقيقيه، وعمه وعماته، وخاليه وخالتيه وحميه وبنات حميه. ومن رئيس حزب “القوات اللبنانية” ومنسقية منطقة جبيل وجميع المحازبين في القوات اللبنانية. رحمه الله بغنى رحمته، وأشركه في مجد القيامة. المسيح قام”.