
حسين زلغوط
خاص – موقع “رأي سياسي”:

في توقيت إقليمي بالغ الحساسية، يحطّ رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية اللواء حسن رشاد في بيروت، في زيارة أثارت اهتمام الأوساط السياسية والأمنية على حدّ سواء. الزيارة، التي وُصفت بأنها تحمل “رسالة تحوّط” بحسب ما اعلن السفير المصري في لبنان بعد زيارته امس رئيس الحكومة نواف سلام، أكثر مما تحمل “تحذيراً”، تأتي وسط مؤشرات مقلقة لاحتمال انزلاق الوضع على اللبناني – الإسرائيلي نحو مواجهة مفتوحة، في ظل تصاعد وتيرة الاستهدافات الميدانية والتهديدات المتبادلة.
تدرك مصر، بحكم موقعها ودورها التاريخي في التوازنات الإقليمية، أن أي تصعيد على الساحة اللبنانية ستكون له تداعيات مباشرة على استقرار المشرق بأكمله. لذا تأتي زيارة اللواء رشاد إلى بيروت في إطار ما يمكن تسميته بـ”التحرّك الاستباقي”، حيث تسعى القاهرة إلى تجنّب الأسوأ عبر تعزيز قنوات التواصل مع القوى اللبنانية، وتثبيت حضورها في مشهد أمني يزداد اضطراباً.
الرسالة المصرية ليست تحذيرية بالمفهوم التقليدي، لكنها تحمل بين سطورها إشارات واضحة إلى ضرورة التحوّط أو التنبه من قابل الأيام، وتهيئة الساحة اللبنانية لأي طارئ قد تفرضه التطورات الإسرائيلية أو الحسابات الإقليمية. القاهرة لا ترغب في أن يفاجئها الانفجار، وهي التي تحاول الإبقاء على خطوط النار في غزة تحت السيطرة بعد الاتفاق الذي تم برعايتها.
الواقع اللبناني اليوم يبدو أكثر هشاشة من أي وقت مضى. الجنوب يعيش على إيقاع الغارات شبه اليومية، والداخل اللبناني غارق في أزماته السياسية. وفي هذا السياق، تأتي المبادرة المصرية لتذكير الجميع بأن لبنان ليس ساحةً يمكن تركها لمصيرها، حيث تسعى القاهرة إلى تثبيت معادلة مزدوجة: طمأنة لبنان ودفعه نحو التهدئة من جهة، وإيصال رسالة غير مباشرة لإسرائيل من جهة أخرى بأن استمرار التصعيد قد يجرّ المنطقة إلى ما لا تُحمد عقباه، وأن مصر تراقب عن كثب ما يجري من خروقات اسرائيلية يومية لاتفاق الهدنة والقرار الأممي 1701.
وتشير الزيارة إلى أن القاهرة تضع الملف اللبناني ضمن أولوياتها الأمنية، إدراكاً منها أن أي حرب جديدة ستنعكس على الأمن القومي العربي ككل، كما أن التحرك المصري يأتي في ظل غياب المبادرات العربية الفاعلة، ما يفتح الباب أمام القاهرة لاستعادة دورها كلاعب محوري في إدارة الأزمات، كذلك ان لهذا التحرك بعداً استباقياً اذ أنه محاولة لاحتواء النار قبل اشتعالها، وتثبيت أرضية سياسية وأمنية تسمح بضبط الإيقاع الميداني قدر الإمكان.
والسؤال هل تنجح القاهرة في كبح التصعيد؟ الجواب ليس سهلاً، فالمعادلة اللبنانية – الإسرائيلية لم تعد خاضعة فقط لحسابات الداخل، بل ترتبط مباشرة بالمشهد الإقليمي ومع ذلك، تدرك مصر أن غياب المبادرة يعني ترك الساحة للفوضى، ولذلك تتحرّك بخفة بين العواصم، مستفيدة من رصيدها التاريخي لدى جميع الأطراف.
نختم لنقول ان زيارة اللواء حسن رشاد إلى بيروت ليست حدثاً بروتوكولياً عابراً، بل خطوة محسوبة ضمن استراتيجية مصرية أوسع لتجنّب انفجار جبهة جديدة في وقت لا يحتمل الشرق الأوسط مزيداً من الحروب. إنها رسالة دعم للبنان، ورسالة عقلانية إلى الجميع بأن التحوّط اليوم أفضل من التحذير غداً.




