5 عقبات تهدد الاقتصاد الأوروبي بعد صعود ترامب للحكم
أثارت إعادة انتخاب دونالد ترامب وسياساته الاقتصادية المقترحة، خاصة فيما يتعلق بالتعريفات الجمركية، مخاوف كبيرة بين الاقتصاديين والمؤسسات المالية حول الاقتصاد الأوروبي. ومن المتوقع أن تواجه الكتلة الأوروبية خمس عقبات رئيسية تهدد تماسكها وربما تقود إلى زراعة بذور تفككها.
وهذه العقبات بعد صعود ترامب للحكم مرة ثانية تتجلي أولاها في تهديده بفرض ضرائب مرتفعة على البضائع الأوروبية المصدّرة للولايات المتحدة. والثانية مطالبة دول الاقتصاد الأوروبي بدفع ثمن حمايتها العسكرية وربما التخلي تدريجياً عن حلف الناتو. وبالنسبة إلى الثالثة فهي احتمال دعمه للأحزاب الشعبوية الرافضة لسلطات المفوضية الأوروبية والبرلمان الأوروبي. والرابعة تخوف أوروبا من خطط ترامب لتسوية الحرب في أوكرانيا. أما العقبة الخامسة التي تهدد مستقبل الاتحاد، فهي ارتفاع حجم الديون والعجز في الميزانيات فوق المعدل المتفق عليه.
على مستوى فرض الرسوم الجمركية التي تخطط لها إدارة ترامب، خاصة تلك التي تستهدف واردات الصلب والألمنيوم بالإضافة إلى مجموعة من السلع الصينية، فإنه ستكون لها تداعيات كبيرة على الاقتصاد الأوروبي الذي يشعر بالتهديد. وأعرب مصرف دويتشه بنك عن مخاوفه من أن التعريفات المفروضة على الصلب والألومنيوم ستؤدي إلى زيادة أسعار هذه السلع في جميع أنحاء أوروبا.
وأشار إلى أن المصنّعين الأوروبيين الذين يعتمدون على المعادن المستوردة سيواجهون تكاليف أعلى، مما قد يؤدي إلى انخفاض القدرة التنافسية في الأسواق العالمية. وشدد البنك على أن الإجراءات الانتقامية من جانب الاتحاد الأوروبي يمكن أن تزيد من تصعيد التوترات التجارية. من جانبه، أفاد بنك باركليز بأن التعريفات يمكن أن تؤثر سلباً على الصادرات الأوروبية إلى الولايات المتحدة، خاصة في قطاعات مثل السيارات والآلات.
وتوقع انخفاضاً محتملاً في أحجام الصادرات بسبب زيادة التكاليف والتعريفات الانتقامية من الاتحاد الأوروبي، مما قد يؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي داخل الدول الأعضاء التي تعتمد بشكل كبير على التجارة مع الولايات المتحدة.
في ذات الصدد، أعرب محللو “دويتشه بنك” عن قلقهم من أن تهديدات ترامب الجمركية قد تؤدي إلى زيادة التكاليف على المصدرين الأوروبيين، لا سيما في قطاع السيارات. وأشاروا إلى أنه إذا تم تنفيذ الرسوم، فقد يؤدي ذلك إلى تعطيل سلاسل التوريد وتقليل القدرة التنافسية لمصنعي الاقتصاد الأوروبي في السوق الأميركية. وشدد البنك على أن الزيادة المستمرة في التعريفات يمكن أن تؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي داخل منطقة اليورو.
وكان مصرف “أتش أس بي سي” البريطاني قد أشار، في أكتوبر/تشرين الأول 2023، إلى أن التعريفات الجمركية المقترحة من قبل ترامب قد تؤدي إلى تفاقم التوترات التجارية الحالية وخلق حالة من عدم اليقين في الأسواق الدولية. وحذر من أن الرسوم المرتفعة قد تؤدي إلى إجراءات انتقامية من الاقتصاد الأوروبي بما يزيد من توتر العلاقات الاقتصادية. وتوقع البنك أن مثل هذه التطورات يمكن أن تؤثر سلباً على معنويات المستثمرين وتؤدي إلى تقلبات في أسواق العملات، مما يؤثر على قيمة اليورو مقابل الدولار.
في ذات الصدد، أشار مصرف “بي إن بي باريبا” إلى أنه في حين أن بعض القطاعات قد تكون أكثر مرونة، إلا أن اقتصاد الاتحاد الأوروبي قد يواجه رياحاً معاكسة بسبب زيادة الرسوم. وأكدوا أن الصناعات التي تعتمد بشكل كبير على الصادرات إلى الولايات المتحدة، مثل السيارات والآلات، من المرجح أن تشهد انخفاض الطلب والربحية. وأشار البنك إلى أن النزاعات الجمركية المطولة يمكن أن تعيق جهود تعافي الاقتصاد الأوروبي بعد وباء كورونا.
من جانبه، توقع الخبير الاقتصادي من مؤسسة كابيتال إيكونوميكس، أندرو كينينغهام، في دراسة حديثة، انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بأقل من 0.5% في جميع أنحاء منطقة اليورو، في حال تطبيق إدارة ترامب تعريفات أعلى على بضائع دول الاتحاد الأوروبي عند تصديرها.
وبالنسبة للدين والعجز في الميزانيات، فإنه اعتبارا من مارس 2024، بلغ الدين الخارجي للاتحاد الأوروبي 38.855 تريليون دولار، بما في ذلك دين الشركات والأفراد. وبلغ إجمالي الدين الحكومي العام للاتحاد 13.71 تريليون دولار في الربع الثاني من 2023، وفق بيانات المفوضية الأوروبية، وهو ما يمثل 81.9% من الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد. وارتفعت نسبة العجز الحكومي إلى الناتج المحلي الإجمالي في الاتحاد من -3.2% في عام 2022 إلى -3.5% في 2023 وفي منطقة اليورو من -3.5% إلى -3.6%، وفق بيانات المفوضية الأوروبية التي تنص قوانينها على أنه يجب ألا يتجاوز العجز في ميزانية الاتحاد الأوروبي نسبة 3%.
ويرى محللون أن المستويات المرتفعة من الديون تؤدي إلى العديد من الآثار السلبية على الاقتصاد، من بينها ارتفاع أسعار الفائدة؛ حيث تتنافس الحكومات على الاقتراض من الأسواق المالية. وهذا يمكن أن يؤدي إلى مزاحمة الاستثمار الخاص، لأن شركات دول الاتحاد الأوروبي قد تجد أن الاقتراض أكثر تكلفة. كما تؤدي كذلك إلى ضغوط تضخمية، وبالتالي تآكل القوة الشرائية وزعزعة استقرار الاقتصادات.
وتدفع الديون المرتفعة الحكومات إلى تخصيص المزيد من الموارد لمدفوعات الفائدة على الديون، بدلاً من الاستثمارات الإنتاجية في البنية التحتية والخدمات الاجتماعية. كما تقوض الديون المرتفعة ثقة المستثمرين في الاتحاد الأوروبي، مما قد يؤدي إلى هروب رؤوس الأموال أو زيادة تكاليف الاقتراض.
وفي 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أشار محللو “دويتشه بنك” إلى أن “الاختلاف المتزايد في السياسات المالية بين دول الاتحاد الأوروبي يشكل أخطارا على التماسك الاقتصادي الشامل”، مما يشير إلى أن التفاوتات بين اقتصادات الدول يمكن أن تؤدي إلى توترات داخل الاتحاد.
وعلى مستوى صعود الأحزاب الشعبوية في أوروبا، فإن له آثارا كبيرة على مستقبل الاتحاد الأوروبي. وتتميز هذه الظاهرة بالابتعاد عن الهياكل والأيديولوجيات السياسية التقليدية، مما يؤدي إلى مشهد سياسي مجزأ. ويرى محللون، غالباً ما تتحدى الأحزاب الشعبوية المعايير والمؤسسات الديمقراطية الراسخة. وهم يميلون إلى الترويج لخطاب يضع “الشعب” في مواجهة “النخبة”، وهو ما قد يؤدي إلى تقويض الثقة في المؤسسات والعمليات السياسية التقليدية.
وقد يؤدي تآكل الثقة هذا إلى زيادة الاستقطاب داخل المجتمعات، مما يجعل بناء الإجماع أكثر صعوبة، وربما يؤدي إلى زعزعة استقرار الحكم الديمقراطي عبر الدول الأعضاء. وكثيراً ما ترتبط الشعبوية بالمشاعر القومية، والتي يمكن أن تتعارض مع المبادئ الأساسية للاتحاد الأوروبي المتمثلة في الفوقية القومية وصنع القرار الجماعي. ومع زيادة نفوذ الأحزاب الشعبوية، فقد تنشأ ضغوط من أجل المزيد من السيادة الوطنية على حساب التكامل مع الاتحاد الأوروبي. وقد يؤدي هذا إلى إعطاء الدول الأعضاء الأولوية لمصالحها الخاصة على الأهداف الأوروبية الجماعية.
وبالنسبة لمنافسة البضائع الصينية، فقد سلطت العديد من البنوك الضوء على الخلل التجاري المستمر بين الصين والاتحاد الأوروبي، حيث تتجاوز صادرات الصين وارداتها من أوروبا بشكل كبير. ووفق بيانات الاتحاد الأوروبي، تعد الصين ثاني أكبر شريك تجاري للسلع مع الاتحاد بعد الولايات المتحدة، حيث بلغ حجم التجارة الثنائية 739 مليار يورو في عام 2023. وبلغ حجم العجز التجاري الأوروبي مع الصين 292 مليار دولار في عام 2023. ويثير هذا الخلل المخاوف بشأن اعتماد الاستهلاك الأوروبي على البضائع المستوردة من الصين ونقاط الضعف المحتملة في سلاسل التوريد.
ويشير محللون إلى أن هذا الوضع يمكن أن يؤدي إلى إضعاف الشركات الأوروبية والأعمال التجارية. ولاحظ مصرفيون أن تدفق البضائع الصينية الرخيصة يمكن أن يمارس ضغطاً هبوطياً على الأسعار داخل سوق الاتحاد الأوروبي، وفي حين أن هذا قد يفيد المستهلكين من خلال انخفاض الأسعار، فإنه يضر بالمصنعين المحليين الذين يكافحون من أجل التنافس مع الواردات الأقل تكلفة. وتحذّر بعض البنوك من أنه إذا تم تنفيذ الرسوم الجمركية أو الحواجز التجارية استجابة لذلك، فقد يؤدي ذلك إلى ضغوط تضخمية مع ارتفاع التكاليف بالنسبة للمستهلكين.
أما بالنسبة لنفقات الدفاع، فمن الممكن أن تؤدي زيادة الإنفاق الدفاعي إلى ضغوط على الميزانيات الأوروبية وخلافات حول كيفية تقاسم نفقات الدفاع. ورغم أن الإنفاق الحكومي على عقود الدفاع يؤدي إلى زيادة الطلب على السلع والخدمات من مقاولي الدفاع والصناعات ذات الصلة، وهذا يمكن أن يؤدي إلى خلق فرص العمل في هذه القطاعات. ولكن يرى محللون أن ذلك قد يأخذ وقتاً ويزيد من تفاوت النمو بين دول الاتحاد الأوروبي.