رأي

لماذا تراهن أوروبا على السلطة الفلسطينية

كتب محمد أبو الفضل في صحيفة العرب.

في ظل الرفض الواسع لحركة حماس والمطالبات المتعددة بإنهاء هيمنتها تصبح السلطة الوطنية خيارا جيدا وهو ما لم يستثمره أبومازن، ما جعل بعض الدول التي تريد مساعدته تتراجع عن ذلك.

في الوقت الذي قوضت فيه إسرائيل السلطة الفلسطينية وتتجاهلها الولايات المتحدة وتشارك في تقزيم دعائمها السياسية، اتخذت مفوضية الاتحاد الأوروبي قرارا بتوجيه مساعدات إليها في اجتماع عقدته مع آخرين في لوكسمبورغ بقيمة 1.6 مليار يورو خلال ثلاثة أعوام، وبدا رهانها عليها كبيرا إذا أدخلت إصلاحات على هياكلها، وكافحت ما انتشار الفساد في جسدها، ونجحت أن تكون ممثلا للشعب الفلسطيني بكل أطيافه.

يمكن للسلطة الوطنية في رام االله أن تصبح خيارا جيدا للفلسطينيين، ورقما مناسبا في هذه المرحلة الدقيقة، إذا نجح رئيسها محمود عباس (أبومازن) في تقديم خطة شاملة لإصلاحها، ولا يكتفي بشعارات يطلقها من حين إلى آخر، أو أحد معاونيه، فقد تحدث الرجل أمام القمة العربية الطارئة بالقاهرة في مارس الماضي عن تعيين نائب له والعفو عن المفصولين من حركة فتح، وحتى الآن لم تظهر ملامح عملية لذلك.

كما تحدث القيادي الفتحاوي جبريل الرجوب عن مؤتمر وطني مع الحركات الفلسطينية مؤخرا، ولم يتحرك خطوة واحدة إلى الأمام، ما يثير علامات استفهام كبيرة حول جدوى هذه النوعية من الخطابات التي لا تصطحب معها مضمونا عمليا.

قد يكون المبلغ الذي رصدته أوروبا مغريا، لكن له ضوابط وشروط، وجاء في خضم أوضاع إقليمية قاتمة، فأحد أهم شروطه إصلاح السلطة، كي تحظى بمشروعية دولية جديدة، وتقنع الجهات الراغبة في أن تلعب دورا في دعم القضية الفلسطينية على مساعدتها، ففي ظل الرفض الواسع لحركة حماس، والمطالبات المتعددة بإنهاء هيمنتها على قطاع غزة، تصبح السلطة الوطنية خيارا جيدا، وهو ما لم يستثمره أبومازن، ما جعل بعض الدول التي تريد مساعدته تتراجع عن ذلك.

لدى أوروبا مصالح عديدة في دعم السلطة الفلسطينية، منها الممانعة التي تتبناها بعض دولها بشأن توجهات الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتنفيذ مقترح تهجير سكان غزة، والحرب الشرسة التي تقوم بها إسرائيل وما أفضت إليه من إبادة، ورفض سياسات حماس، والخوف من نقل سيناريو غزة إلى الضفة الغربية عقب إطلاق يد المستوطنين فيها. ناهيك عن انسداد أفق التسوية السياسية للقضية الفلسطينية الذي يمكن أن يؤدي تماسك السلطة التي يقودها أبومازن إلى إحيائه، حيث أوشكت تصرفات إسرائيل أن تفضي إلى دفن التسوية، مع رفض وجود حماس في غزة وإعدام السلطة بالضفة.

يدافع الاتحاد الأوروبي عن أمن دوله عندما قرر تقديم دعم مادي إلى السلطة الفلسطينية والحديث عن إصلاحات في هياكلها، لعدم وجود خيارات بديلة، فإدارة حماس لغزة خارج الحسابات، وإسرائيل نجحت في توظيف تقاعس السلطة الفلسطينية في مسألة عدم وجود جهة جادة توضع مسؤولية القطاع على عاتقها.

ومهما كان ضعف هذه الحجج واستثماره سياسيا، فلا أحد ينكر أن سلطة أبومازن وحركة فتح في حاجة إلى غربلة واضحة، وإعادة جادة لتنظيم الهياكل فيهما للتعويل عليهما، فالمساندة لن تقدم لإدارات فاسدة، وشخصيات مشكوك في صواب تقديراتها.

تبحث دول الاتحاد الأوروبي عن نافذة سياسية تدخل منها إلى المنطقة بقوة، ولن تجد أفضل من القضية الفلسطينية جاذبية، لكن هذه في حاجة إلى رأس، فقد تكون هناك أجسام عدة تعمل وتتصارع، إلا أن غياب القيادة الرشيدة تسبب في متاعب كثيرة لدول المنطقة، وأوروبا التي تقع بعض دولها على مرمى بصر تخشى من عواقب الممارسات التي تقوم بها إسرائيل في غزة ولبنان وسوريا، وربما إيران وتركيا لاحقا.

خلص اجتماع لوكسمبورغ إلى أن ركلة البداية تأتي من دعم السلطة الفلسطينية، والتي فوتت فرصا كثيرة، وخيبت ظن من راهنوا على قيامها بمسؤولياتها السياسية، ورضخت قيادتها لتوجهات خاطئة تبناها نفر فيها، قادت إلى انسداد في هياكلها، وتبحث دوائر عديدة، فلسطينية وعربية وأوروبية، عن تفكيك هذا الانسداد، كي يتسنى إيجاد سلطة متماسكة يمكن مخاطبتها وتقوم بالدور المنوط بها.

يحمل الدعم المادي الموجه إلى السلطة الفلسطينية تحديا لإرادة الولايات المتحدة وإسرائيل، وينطوي على تأييد ضمني لنتائج القمة العربية الطارئة في القاهرة، وينظر إلى المستقبل ويرفض الرضوخ لإجراءات الحاضر التي تريد تل أبيب ترسيخها لتتمكن من محو كل عنوان يمكن الحوار معه باسم الفلسطينيين واختزالهم في حركة حماس وما قامت به في السابع من أكتوبر 2023، وحظي بتعاطف سياسي وإنساني وأمني كبير في أوروبا، والغرب برمته.

تسعى إسرائيل نحو عدم محو ما ترتب على عملية طوفان الأقصى من صور سلبية في ذاكرة المجتمع الدولي، والتعامل معها باعتبارها بداية للقضية الفلسطينية وليس نتيجة لممارسات قامت بها قوات الاحتلال على مدار سبعة عقود، ما يشير إلى أن قرار المساعدات الأوروبية للفلسطينيين يسير عكس الاتجاه الذي تريده إسرائيل لنفيهم أو إبادتهم، وقد يعرّض الاتحاد الأوروبي إلى انتقادات حادة.

يمكن أن يتسبب هذا القرار في تراشق أوروبي – أوروبي، فهناك دول تلفظ السلطة الفلسطينية وأخرى متعاطفة ومؤيدة لإسرائيل، ولذلك فوصول المساعدات المادية فعلا إلى السلطة على مدار ثلاثة أعوام تواجهه مطبات، وقد يتعثر أو يتوقف، ولا يحقق أهدافه، خاصة إذا لم يقم الرئيس أبومازن بخطوات إصلاحية عاجلة، تعيد الثقة بالسلطة الوطنية التي تتحكم حركة فتح في مفاتيحها الرئيسية.

بدا رد الفعل الإسرائيلي على الخطوة الأوروبية أكثر هدوءا مما كان متوقعا، وكأن هناك ثقة بعدم وصول المساعدات بسبب عراقيل ربما تظهر. جزء منها داخل دول الاتحاد الأوروبي التي لها مواقف متباينة من القضية الفلسطينية. وجزء آخر لإمكانية تفويت السلطة الفلسطينية فرصة الإصلاحات المنتظرة. وجزء ثالث يتعلق بما يمكن أن تمارسه إسرائيل، بمساعدة الولايات المتحدة، لمنع تحقيق خطوة هدفها وجود عنوان واضح لجهة أو سلطة موثوق بها تتولى إدارة الوضع الفلسطيني الحالي.

تستطيع السلطة الوطنية أن تتذرع باستمرار الحرب على غزة، والإجراءات العنيفة التي تتبعها قوات الاحتلال في الضفة الغربية، وهذا لن يعفيها من خطوة الإصلاحات التي باتت مطلبا فلسطينيا وعربيا ودوليا، وتجاهلها تنجم عنه تحديات أكثر صعوبة، أقلها لن تكون هناك سلطة على المدى القريب، وأشدها عدم وجود قضية على المدى البعيد، يناضل من أجلها فلسطينيون ويستثمرها بعضهم، بالتالي يتلاشى أيّ دعم تريد أن تقدمه أوروبا للسلطة، وتستمر سردية إسرائيل في التشكيك في كل من يسعى إلى مساعدة الشعب الفلسطيني، وتتذرع بعدم وجود جهة يمكن التفاهم معها.

يمكن أن تتشبث سلطة أبومازن باهتمام دول الاتحاد الأوروبي، وتخيب ظنون كل خصومها، بدءا من إسرائيل وحتى حركة حماس، إذا نفذت إصلاحات حقيقية وبلا مآرب سياسية، سوى مصلحة الشعب الفلسطيني.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى