حسين زلغوط
خاص_ موقع رأي سياسي:
قبل ما يقارب ستة عقود من الزمن اجتاحت احتجاجات طلابية واسعة النطاق العديد من الجامعات والمعاهد الأميركية رفضاً للحرب في فيتنام، وكان لبعض تلك الاحتجاجات، التي اتخذت منحا دمويا أنذاك وان بشكل محدود، تأثيرات عميقة على المشهد السياسي الأميركي، وطالت تداعياتها أيضا عمل وسياسات الجامعات الأميركية، كما استخدم الطلاب في ذلك الحين تكتيكا احتجاجيا، للمطالبة بإلغاء جامعتهم لعقد يربطها مع مركز أبحاث للأسلحة، وتصاعدت الاحتجاجات مع مرور الأيام وانجذب اهتمام الإعلام بشكل أكبر نحو الحركة المناهضة للحرب في فيتنام، وهو ما ساهم الى حد كبير في اعادة الادارة الاميركية النظر في استمرار الحرب على فيتنام الى ان تم الانسحاب في العام 1973.
هل يتكرر المشهد نفسه في الحرب الاسرائيلية على غزة، حيث ان الحركة الاحتجاجية الطلابية في الجامعات الاميركية، المؤيدة للفلسطينيين، والتي تشهد منذ ما يقارب العشرة ايام تصعيداً ملحوظاً، على الرغم من قيام شرطة نيويورك بمحاولة إخلاء المحتجين الذين أقاموا معسكرات في باحات بعض الجامعات ومعاهد التدريس؟
من المعلوم ان هذه الاحتجاجات من قبل الطلاب في الجامعات انطلقت تحت عنوان الدعوة لوقف دائم لإطلاق النار في غزة، وإنهاء المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل، وسحب استثمارات الجامعات من شركات توريد الأسلحة وغيرها من الشركات المستفيدة من الحرب، وقد اجتذبت الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين طلابا وأعضاء هيئة التدريس من خلفيات مختلفة تشمل الديانتين الإسلامية واليهودية، ومن المجموعات المنظمة للاحتجاجات “طلاب من أجل العدالة في فلسطين” و”الصوت اليهودي من أجل السلام”، وهو ما اعطى الطلاب زخماً قوياً في تحركهم وجعلهم يتشبثون أكثر بما يطالبون فيه لوضع حد للحرب على غزة، والتي تساهم دولتهم الى حد كبير في تغذيتها واستمرارها من خلال اغداق المساعدات المالية والعسكرية على حكومة بنيامين نتنياهو والتي كان آخرها توقيع الرئيس جو بايدن على قرار مساعدة بقيمة 26 مليار دولار.
وعلى قاعدة المثل القائل “ليستحوا ماتوا” استنكر الرئيس جو بايدن، الاحتجاجات التي اعتبرها معادية للسامية، معتبرا أن من يقومون بالحركة الاحتجاجية لا يفهمون ما يحدث مع الفلسطينيين. هذه المواقف للرئيس بايدن رفعت من منسوب الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين بما جعل العديد من الجامعات في جميع أنحاء الولايات المتحدة تصاب بعدوى التحركات الاحتجاجية على استمرار الحرب على غزة، واستمرار الدعم الاميركي للحكومة الاسرائيلية بشكل شجعها على استمرار هذه الحرب.
هل سيكون للإحتجاجات الجامعية في الولايات المتحدة الاميركية الأثر نفسه الذي أحدثته بالنسبة لحرب فيتنام على ما يجري في غزة؟
يبدو ان هناك أوجه تشابه كثيرة بين أسباب احتجاجات الطلبة في الولايات المتحدة خلال الستينيات وفي الوقت الراهن، حيث التورط الأميركي غير المباشر بدعم إسرائيل في الحرب على غزة، لا يختلف عن الحرب التي قامت بها واشنطن بالمباشر على فيتنام، والمهم في ذلك كله ان احتجاجات اليوم تشكل مصدر قلق شديد لإسرائيل، لأنها تشير إلى تغير مفصلي في رؤية مجتمع عرف تقليديا بمساندتها، وتعوّد قبول “خبريات” الإدارة الأميركية والبيت الأبيض خاصة تجاه إسرائيل، وتحاول الحكومة الاسرائيلية التعمية على حقيقة اندلاع هذه الاحتجاجات من خلال وصف نتنياهو التحركات الاحتجاجية بأنها معادية للسامية، ومطالبته بالتصدي لها، غير أن المغالطات لنتنياهو زادت من توسعة رقعة الاحتجاجات لتضم جامعات أخرى، ووصلت إلى بلدان أوروبية، حتى أن السيناتور الأميركي بيرني ساندرز رد بشكل حاسم على نتنياهو قائلا: ” إن حكومتك قتلت 34 ألفا في 6 أشهر ليس معاداة للسامية”.
هذه المواقف للسيناتور ساندرز بالاضافة الى استمرار تصاعد حركة الاحتجاجات الطلابية في أميركا، يجعل إسرائيل تخشى من تصدع كبير في الأوساط المساندة لها، مع تشكل جبهة رفض واسعة وجادة لسياساتها وجرائمها التي بدأت تأخذ بعدا عالميا، وهي تدرك أن التحركات الطلابية التي تتوسع في الولايات المتحدة والعالم بما تمثله من مشاركة لنخبة المجتمع ستكون لها تداعياتها، مثلما أثرت خلال الثمانينيات في تغيير موقف الولايات المتحدة، وبالتالي إسقاط نظام التمييز العنصري في جنوب أفريقيا.
كما ان إسرائيل تدرك ايضاً أن انخراط الجامعات بتنوعها الثقافي والديني والعرقي في الاحتجاجات، سيؤدي إلى آثار راهنة وبعيدة المدى في التصدي لمخططاتها.
يقول متابعون ان الاحتجاجات الطلابية بالجامعات الأميركية قد تكون ظرفية، وقد لا تصل إلى حجم وقوة تأثير تلك التي حصلت أواخر الستينيات من القرن الماضي، لكنها في رفضها للجرائم الإسرائيلية وانحيازها للحق الفلسطيني، تعبر عن وجود منظومة عالمية أخرى أكثر عدلا وانسانية، وهي تحركات ستكون لها آثارها وتداعياتها في المستقبل القريب.