نزهة على ظهر ديناصور!
ماذا ستكون ردة فعلك إذا رأيت في متحف للآثار التاريخية منحوتة صخرية لرجل يجلس على بردعة فوق ديناصور، ومنحوتة أخرى تصور رجلا يقوم بعملية زرع قلب بشري، وآخر يراقب السماء بتلسكوب؟
هذه ليست صورة متخيلة بل مشهد يمكن رؤيته في متحف الدكتور خافيير كابريرا “1924-2001″، في مدينة إيكا الواقعة إلى الجنوب من ليما، عاصمة بيرو.
ما يعرف بأحجار إيكا، ظاهرة غامضة ساهم في شهرتها وانتشارها كابريرا وهو شخصية شهيرة في بيرو من سلالة الإسبان الغزاة الأوائل للمنطقة، وقد كان يعمل أستاذا للطب وعميدا لكيلة الطب في جامعة ليما وقد أسس أيضا متحف “أحجار إيكا” بالإضافة إلى كلية للطب في هذه المدينة التي أسسها أحد جدوده القدماء عام 1563.
أحجار إيكا، متحف خاص صغير يقع في منطقة بلازا دي أرماس بمدينة إيكا، وقد جمع به الدكتور خافيير كابريرا 11000 حجر عثر عليها في الصحراء المحيطة بالمدينة منذ بدية ستينيات القرن الماضي. هذه الأحجار الدائرية والمختلفة الأحجام يصور بعضها مشاهد صادمة تناقض المفاهيم والحقائق التي تأسس عليها العلم التقليدي الحديث.
هذه الأحجار المنحوتة بعناية فائقة، تتكون من طبقتين الداخلية من البازلت الأسود، والخارجية من الأنديسايت الصخري الصلب اللامع، وهي بأحجام مختلفة، بعضها صغير في حجم كرة القدم والبع ض الآخر بأحجام كبيرة يصل وزنها إلى طن ونصف.
بدأت هذه الأحجار في الظهور منذ عام 1961 في أعقاب فيضان لنهر إيكا، وحينها شرع مزارعون محليون إلى البحث عن الذهب والقطع الأثرية وبيعها. تركز نشاط من يعرفون بقراصنة الآثار في مناطق نازكا وإيكا وباراكاس بالبيرو.
بعد وفاة الدكتور كابريرا في عام 2001، واصلت ابنته يوجينيا نشاط والدها والإشراف على متحف “أحجار إيكا” الذي تعرض فيه مجموعة كبيرة تصور مشاهد متنوعة للحياة اليومية للسكان القدماء.
هذه الأحجار الغامضة والمثيرة لجدل واسع في صفو العلماء والمهتمين، نحتت عليها مشاهد يعكس بعضها مشاهد لمعرفة طبية متطورة للغاية، بما في ذلك مشهد يظهر فيه شخص وهو ينقل قلبا من شاب إلى عجوز، وآخر يصور استخراج الدماغ من مريض وربطه بما يشبه الأجهزة التي تحافظ على الحياة، ومشهد ثالث لعملية ولادة قيصرية.
المدهش أن هذه الأحجار تقدم عدة أنواع من الديناصورات التي يقول العلم إنها انقرضت منذ حوالي 60 مليون عام، كما لو كانت حيوانات مسالمة مدجنة يركبها البشر، وأحدهم يضع ما يشبه البردعة على ظهر أحدها.
علاوة على ذلك تتضمن بعض أحجار إيكا الغامضة صور لحيوانات أخرى انقرضت في القارتين الأمريكيتين منذ زمن سحيق مثل الغزلان والكنغر والماموث وحتى الأحصنة التي تعرف عليها الهنود بعد وصول الإسبان إلى المنطقة.
اللافت أيضا أن بعض هذه الأحجار نحتت عليها خريطة للقارات القديمة بملامح متغيرة وغير معروفة. هذه القارات تظهر بإشارات على أنها مأهولة بالبشر والحيوانات فيما ينقسم سكانها بحسب المهن والطبقات.
الدكتور خافيير كابريرا كان كرس حياته وثروته لجمع “أحجار إيكا”، وقضى ما لا يقل عن 40 عاما وهو يجمع ويعتني بما يعتقد أنها “موسوعة معرفية قديمة”.
كابريرا وضع نظرية لأحجاره تقول إن حضارة فائقة الذكاء بمجتمع متطور قامت في هذه المنطقة، وأن القدماء علموا بأن حدثا كارثيا يمكن أن يدمر الحياة على الأرض على وشك الوقوع، فقاموا بنقل معارفهم ونحتها على الأحجار بهدف المحافظة عليها لمن ينجو من الفناء.
حكومة بيرو تدخلت بضغط من شخصيات علمية وقامت بحملة ضد ما يوصف بالمنحوتات المزيفة، وقامت بسجن مزارع كان باع العديد من هذه الأحجار إلى الدكتور كابريرا. الرجل بعد القبض عليه اعترف بأنه نحت بنفسه هذه الأحجار بغرض الربح المادي، ولاحقا زعم لصحفيين بأنه اضطر لهذا الاعتراف للتخلص من تهمة التنقيب غير الشرعي عن الآثار.
الرواية الرسمية أكدت أن مزارعا واحدا أو مجموعة صغيرة من السكان المحليين قاموا بنحت هذه الأحجار وبيعها للسياح وللمهتمين.
بالمقابل يصر أنصار “أحجار إيكا” على أن بعض هذه المنحوتات حقيقية وقديمة، مشيرين إلى أن فحوصات قامت بها بعض الجامعات في أوروبا اكدت أنها قديمة من خلال رواسب داخل الخطوط المنحوتة.
هؤلاء يدافعون عن هذه الأحجار بالتأكيد على أنه من الصعب على مجموعة صغيرة من الناس تزويرها، مفترضين أن 50 ألف حجر وهو العدد الإجمالي الموجود لدي جامعي التحف وبعض المتاحف المحلية لا يمكن أن يتم إنجازه في نصف قرن مثلا، لأن ذلك يعني أنهم كانوا ينحتون 1000 حجر كل عام، أي ثلاثة أحجار في كل يوم.
أنصار “أحجار إيكا” وبينهم بعض الباحثين الذين يضعون أنفسهم في خانة أصحاب منهج علمي غير تقليدي، يدافعون عن صحة بعض هذه الأحجار بالقول بعدم وجود دافع لبذل جهود مضنية في نحت أحجار صلبة لأنها كانت تباع بأسعار بخسة ولا عائد مجد لها، معترفين في نفس الوقت بوجود قطع مزيفة، إلا أنهم يقولون أنها معروفة بطريقة ومضمون منحوتاتها وبصغر أحجارها، مشددين على أن هذه الأحجار هي لغز حقيقي لا يجب أن يرمى كله ويوضع في خانة التزييف والخداع.
الجدل حول أحجار إيكا الغامضة يتواصل وقد لا يتوقف أبدا، لكن إذا ثبت بصورة قطعية أن جميع هذه الأحجار مزورة بديناصوراتها ومشاهدها الغرائبية التي لا تستقيم مع المنطق، فلن يدل ذلك إلى على أن البعض قادر وبلا حدود وبصورة مجانية على التفنن في كل شيء بما في ذلك في التزوير والخداع.