اقتصاد ومال

توسيع الحرب يطرح تحديات أمام مصالح الصين التجارية والنفطية

حاولت الصين تقليدياً الحفاظ على التوازن في الشرق الأوسط، وتطوير العلاقات مع جميع الأطراف مع الابتعاد عن الصراعات المتعددة في المنطقة، ولعب دور توفيقي بين إيران والسعودية لزيادة مكاسبها التجارية في منطقة غنية بالطاقة والقدرة الشرائية والممرات المائية المهمة للتجارة العالمية. ووفق مركز “تشتام هاوس” للدراسات الاستراتيجية في لندن، فإنه بعد الهجوم الإيراني على إسرائيل يوم الثلاثاء ما قبل الماضي، بدأت بكين على الفور دبلوماسية الهاتف الطارئة لمنع تقويض الاتفاق السعودي الإيراني الذي تعول عليه في الاستقرار بالشرق الأوسط.

وقال التقرير إنه بعد مكالمات هاتفية مع نظيريه السعودي والإيراني، أشاد وزير الخارجية الصيني وانغ يي بـ “تأكيد إيران عدم استهداف الدول الإقليمية والمجاورة”، في إشارة ضمنية إلى السعودية ودول الخليج الأخرى. وتحرص الصين على الاستقرار في دول المنطقة من منطق تجاري واستراتيجي بحت في تنافسها مع الولايات المتحدة التي تحاصرها تجارياً وتقنياً.

وتنظر بكين إلى التصعيد الأخير في الحرب على لبنان والهجوم الإيراني على تل أبيب على أنه “امتداد للحرب في غزة”، وليس تطوراً منفصلاً، وأن الحرب مضرة لمصالحها في المنطقة وترغب في أن ينظر لها بديلا محتملا وثقلا موازنا للنفوذ الأميركي المكلف للمنطقة  والداعم بلا حدود لإسرائيل، حتى تتمكن من خدمة مصالحها الاقتصادية.

ويتوقع الباحث أحمد عبودة الزميل في مركز ” تشتام هاوس” في السيناريو القاتم للصراع الأوسع في المنطقة ليشمل إيران، أن تطبق الصين نفس قواعد اللعبة التي استخدمتها أثناء هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، القائمة على الموازنة الدقيقة مع الهدف النهائي المتمثل في حماية مصالحها الاقتصادية، وانتقاد الولايات المتحدة وإسرائيل.

ووفق محللين، فإن بكين لا ترغب في مواجهة مباشرة مع واشنطن في الوقت الراهن وإنما تسعى لتوسيع الفضاء التجاري وتسويق تقنياتها المدنية من إليكترونيات وسيارات وهواتف نقالة، والدخول تدريجياً لسوق المعدات الدفاعية في منطقة الخليج ودول الشرق الأوسط الواسعة، خاصة السعودية والإمارات ومصر والجزائر. بالنسبة لإيران، تنظر بكين لها على أنها دولة استراتيجية لمصالح الطاقة، من حيث ممر مضيق هرمز الذي تمر به نحو 17.5 مليون برميل يومياً، ومن حيث واردات النفط الرخيصة التي تحصل عليها منها وتقدر بنحو 1.4 مليون برميل يومياً.

وتمنح إيران  الشركات الصينية اقتطاعاتات تقدر بنحو 15% من الأسعار العالمية. ويأتي ما يقدر بنحو 15% من واردات الصين النفطية من إيران، وفقاً لأندون بافلوف، كبير محللي منتجات التكرير والمنتجات النفطية في شركة كبلر، وهي شركة في فيينا متخصصة في تتبع شحنات النفط الإيرانية. ولذا حرصت بكين على إصلاح العلاقات بين الرياض وطهران في العام الماضي والحفاظ على عدم تمدد الحرب الجارية إلى صراع بين السعودية وإيران بعد توسعها الأخير.

وقدر تقرير بنشرة “أوفشور تكنولوجي”، في التاسع من يوليو/ تموز الماضي، أن حجم النفط الخام من السعودية المتجه إلى الصين بلغ 44 مليون برميل في أغسطس/آب بعد تخفيضات الأسعار من أرامكو، ومن المقدر أن تكون صادرات النفط السعودية إلى الصين بلغت 36 مليون برميل في يوليو الماضي.

وتعد روسيا والسعودية والعراق من بين المصادر الرئيسية لواردات الصين من النفط الخام في عام 2023، وفق بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية. وتشير بيانات الإدارة إلى أنه في الفترة من 2019 إلى 2021، حصلت الصين على 15% من وارداتها من النفط الخام من روسيا، لتحل في المرتبة الثانية بعد السعودية. كما حرصت بكين على تسوية خلافات الغاز بين طهران وبغداد.

ووفق تقرير لوكالة رويترز في 11 يوليو الماضي، قال رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إن بلاده بدأت مبادلة النفط الخام بالغاز الإيراني لإنهاء المشكلة المتكررة المتمثلة في تأخير المدفوعات لطهران بسبب الحاجة إلى موافقة الولايات المتحدة. وقد كان لبكين دور في هذه التسوية.

ويرى محللون أن توسع الحرب لتشمل إيران بعد تهديد تل أبيب الأخير بضرب منشآت الطاقة الإيرانية والمنشآت النووية، زاد مخاوف بكين من أن يقود ذلك إلى إغلاق مضيق هرمز الذي يعد من أهم ممرات الطاقة إلى آسيا. كما أن إغلاق الممر سيقود إلى ارتفاع أسعار النفط وبالتالي ستتنزل تداعيات ذلك على نموها الاقتصادي في فترة تواجه فيها بكين ضعفاً اقتصادياً ومصاعب مالية تتعلق بقطاع الإنشاءات، كما أن الأسعار المرتفعة ستؤثر على أسعار وحدات السلع المصنعة وبالتالي ستكون لها ارتدادات سلبية على تنافسية بضائعها في الأسواق العالمية.

ويرى هؤلاء أن زيادة أسعار الطاقة بالنسبة للصين “سوف تتسرب عبر سلسلة التوريد إلى السلع المصنعة التي تصدرها إلى الولايات المتحدة وأوروبا وأماكن أخرى”، ومن المحتمل أن تؤدي إلى “مزيد من التضخم بالنسبة للمستهلكين”.

على مستوى التجارة غير النفطية، يقدر حجم التجارة بين الصين والعرب بنحو 300 مليار دولار، وفق بيانات نشرتها “مجلة دبلومات” الصادرة في سنغافورة في سبتمبر الماضي. وتسعى الصين كدولة صاعدة إلى ضرب واشنطن وحلفائها عبر إغراقها في أزمات الاقتصاد والتجارة التي تخلق احتجاجات اجتماعية تضغط تدريجياً على الدول الرأسمالية، وبالتالي تفادي المواجهة العسكرية في وقت الصعود والتنافس مع الدول الغربية. ولذا فإن الصين تسعى إلى زيادة حجم التبادل التجاري مع المنطقة العربية الغنية وذات القوة الشرائية المرتفعة، في وقت تواجه فيه حصاراً اقتصادياً من بكين وحلفائها. وهذا العامل يضاف إلى مصالح الحصول على الطاقة الشرق أوسطية الرخيصة وتسويق تقنياتها الحديثة ومعداتها العسكرية وتدويل اليوان تدريجياً.

وعلى صعيد تدويل اليوان، أجرت بكين خلال العام الماضي محادثات مع عدة دول خليجية حول دفع ثمن النفط الذي تستورده باليوان بدلاً عن الدولار. بالنسبة للرياض والإمارات والعراق، فإن تسديد المشتريات البترولية باليوان سيكون مفيدا. وتعتقد وكالة “ستاندرد آند بورز غلوبال” في 20 أغسطس الماضي أن تجارة النفط القائمة على اليوان بين السعودية والصين تواجه تحديات كبيرة، وقد تستغرق عقودًا لتنمو إلى نطاق مفيد، لكن تعميق العلاقات الثنائية ومواءمة المصالح طويلة الأجل قد يساعد في تسهيل هذه العملية.

ولكن يلاحظ أن الصين لا تعتمد على دول الخليج فقط وإنما على إيران وروسيا ومجموعة بريكس. وهذه الدول بما لديها من حجم تجاري ستلعب دوراً رئيسياً في تعزيز دور اليوان في احتياطات البنوك المركزية العالمية، خاصة إذا واصلت واشنطن استخدام سلاح الدولار لمعاقبة الدول التي لا تتفق معها سياسياً وربما تتوصل دول بريكس في اجتماعها بروسيا نهاية الشهر الجاري إلى إنشاء عملة مشتركة.

وفي الآونة الأخيرة، كان هناك عامل آخر يؤثر على نهج الصين في التعامل مع الشرق الأوسط وهو الغزو الروسي لأوكرانيا. إذ إن المخاوف بشأن العقوبات الاقتصادية الغربية المحتملة وتناقض شركاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط تجاه الصراع الروسي الأوكراني قد سمحت للصين بتوسيع استخدام عملتها في المعاملات  التجارية مع دول الخليج الغنية بالنفط. على سبيل المثال، يُظهر التعاون مع الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية في معاملات اليوان الرقمية وبدء منصات المعاملات الدولية مثل mBridge جهود الصين لتعميق علاقاتها الاقتصادية في المنطقة.

ومن وجهة نظر دول الخليج، فإن ظهور الصين قوة تكنولوجية، وخاصة طريق الحرير الرقمي، يتناسب بشكل جيد مع تطلعاتها إلى الظهور بوصفهم قادة عالميين في مجال التكنولوجيا والابتكار. ويمكن للتعاون في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والاتصالات واستكشاف الفضاء أن يحقق مزايا متبادلة طويلة المدى لكل من دول المنطقة والصين.

كما أن تفجيرات البيجر الأخيرة في لبنان باتت تشكل هاجساً للدول النامية التي تستخدم أدوات التقنية الغربية. ومن هذا المنطلق فإن التقنيات الصينية ستستفيد من الأسواق العالمية غير الحليفة لواشنطن.

كذلك، حققت الصين تقدمًا تدريجيًا في سوق الشرق الأوسط للمعدات الدفاعية. ومع رفض الولايات المتحدة بيع أحدث طائراتها بدون طيار التي تحمل أسلحة لبعض الدول بسبب صراعات مثل الحرب في اليمن، لجأت الإمارات والسعودية ودول أخرى إلى الصين بحثًا عن بدائل. وتؤكد أحداث مثل تعليق الإمارات للمحادثات مع الولايات المتحدة بشأن صفقة طائرات F-35 والطلبات اللاحقة لطائرات التدريب الصينية على نفوذ الصين المتزايد على قطاع الدفاع في المنطقة.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى