21 عاماً على غزو العراق: شلل القطاعات الاقتصادية وارتهان مطلق للنفط
لم تنجح كل الحكومات التي أعقبت الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003 في إخراج البلاد من حالة الارتهان الاقتصادي المطلق للنفط في توفير الميزانيات المالية ورواتب الموظفين وإنعاش السوق بالمال.
لا بل فاقمت الحكومات المتعاقبة توريط الخزينة العراقية بتعيين مئات الآلاف من الخريجين كموظفين في الدولة، ما يؤدي إلى إرهاق الوضع الاقتصادي، والمغامرة بسقوطه في أي لحظة إذا ما تذبذب سعر النفط.
ارتهان للنفط
لطالما حذرت مؤسسات اقتصادية ومالية عالمية من استمرار العراق باعتماده على النفط وحثت المسؤولين على تنويع اقتصاده، إلا أن ذلك لم يحدث، بل استمر العراق بتصدير النفط بكميات كبيرة إلى الخارج، باعتباره الهبة التي لا تنضب، مع إهمال الدراسات والتقارير التي تتحدث عن توجه العالم نحو الطاقة المتجددة والمستدامة ما يهدد مستقبل النفط، ومستقبل الاقتصاد العراقي.
وسبق أن دعا صندوق النقد الدولي العراق إلى إجراء ضبط لأوضاع المالية العامة، وفاتورة أجور القطاع العام، وزيادة الإيرادات غير النفطية لتحقيق استقرار اقتصادي.
ويقول الصندوق إنه لتجاوز تقلبات أسعار النفط، يجب على العراق تحقيق نمو اقتصادي مرتفع لاستيعاب القوى العاملة المتزايدة، وتعزيز الصادرات غير النفطية، وتوسيع نطاق الوعاء الضريبي، وضبط فاتورة الأجور، وإن على الحكومة السعي لتمكين القطاع الخاص من التطوّر والنماء، وإجراء عمليات إصلاح لسوق العمل، وتحديث القطاع المالي، وإعادة هيكلة المصارف المملوكة للدولة، وإصلاح قطاعي التقاعد والكهرباء، والحد من الفساد.
لكن الحكومات العراقية، وحسب المعطيات الواقعية، لا تزال تهمل مثل هذه الدعوات والتحذيرات، بل إنها لم تلجأ طيلة العقدين الماضيين إلى المضي بأي خطة تهدف إلى نمو أعلى في القطاعات المستدامة غير النفطية، مع العلم أن العراقيين ذاقوا عام 2020 مخاطر الاعتماد على النفط حين تراجعت أسعاره مع انتشار جائحة كوفيد-19، ما أدى إلى تعطل رواتب الموظفين وتضاعف معدلات الفقر، لأن النفط يشكل نحو 90 بالمائة من إيرادات العراق المالية.
لا إرادة لتنويع الاقتصاد
في السياق، قال وزير سابق في الحكومة العراقية، إن “الإرادة لتحقيق تنويع بالاقتصاد غير موجودة، وجميع الحكومات تعتمد على النفط بدرجة أساسية، بل إن البرامج الحكومية التي تتحدث عن تنويع الاقتصاد كانت إعلامية وتهدف إلى إيصال رسائل طمأنة إلى الخارج وليس إلى الداخل العراقي”.
وأوضح الوزير السابق لـ”العربي الجديد”، أن “استمرار الاعتماد على النفط، سيؤدي إلى نهاية النظام الحالي الذي يقوده النفط ويحميه السلاح المنفلت”.
وأضاف الوزير الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن “المخاطر الحقيقية مقبلة بالنسبة للاقتصاد العراقي، وقد تكون السنوات القليلة المقبلة هي الأكثر هشاشة في الاقتصاد، لا سيما مع توجه مجموعة الدول الصناعية السبع إلى تسريع عملية خروجها من الاعتماد على الوقود الأحفوري وتحقيق الحياد الكربوني بحلول العام 2050”.
وتابع: “بالتالي فإن الحاجة العالمية للنفط ستتراجع وسيجد العراق نفسه يعتمد على سلعة غير مرغوبة”، موضحا أن “زيادة آثار التغير المناخي، هو الآخر سيؤدي إلى تراجع استخدام النفط”.
ويعدّ العراق خامس دولة من حيث احتياطي النفط في العالم، وبإمكانه الاستمرار بمعدلات الإنتاج الحالية لمدة 96 عاماً إضافياً، وفق البنك الدولي.
لكن من أجل إطلاق “نمو أخضر” في البلاد، قدّرت المنظمة الدولية كلفة الإصلاحات اللازمة بحوالي 233 مليار دولار موزّعة حتى العام 2040.
ويشير البنك الدولي إلى أن من بين الإجراءات “الطارئة” التي ينبغي على العراق اتخاذها، وضع حدّ للنقص في الكهرباء لا سيما عبر إنهاء “حرق الغاز” المصاحب لإنتاج النفط واستخدامه في إنتاج الكهرباء، وكذلك عبر “تحديث نظام الري” و”إعادة تأهيل السدود”.
ويعمل العراق على الكثير من المشاريع لوقف الممارسات الملوِّثة واستغلال الغاز المصاحب لاستخراج النفط الخام، لكنه يطمح إلى تأمين ثلث إنتاجه الكهربائي من مصادر طاقة متجددة بحلول العام 2030، وفق بيانات الحكومة.
فساد وتخبط
الأستاذ في معهد الدوحة للدراسات العليا، مهند سلوم، يقول إن “جميع الحكومات المتعاقبة العراقية بعد الاحتلال الأميركي فشلت في تنويع مصادر الدخل الاقتصادي للعراق، وهذا الفشل له أسباب عدة من أبرزها الفساد الإداري المستشري والذي يتمتع بغطاء سياسي واضح، بالإضافة إلى تخبط وتناقض في رسم السياسات الاقتصادية للحكومات المتعاقبة، جرياً على مبدأ أن كل حكومة تلعن الحكومة التي تسبقها، ناهيك بتعاظم اعتماد الحكومات المتعاقبة على مصدر دخل تصدير النفط والمراهنة على استقرار أسعار النفط في مستويات تدعم الحد الأدنى لموازنات الدولة العراقية”.
وأكد سلوم لـ”العربي الجديد”، وجود “رغبة إقليمية لإبقاء العراق في هذا الوضع الذي يجعله من بين أكبر أسواق الاستهلاك الإقليمية وربما الدولية مقارنة بالمساحة وعدد السكان”.
وأكمل أن “إيران تعدّ العراق رئة اقتصادية تتنفس عبرها تحت ضغط العقوبات الأميركية، وتركيا ثاني مصدر للمواد الاستهلاكية للعراق ويتأثر اقتصادها بشكل مباشر بنسب استيراد العراق للمنتجات التركية، ودولة الإمارات العربية المتحدة ترى في العراق سوقاً إقليمياً مهماً جداً”.
وأوضح الأستاذ في معهد الدوحة للدراسات العليا أن “أغلب الدول النفطية التي يعتمد اقتصادها على تصدير الموارد الطبيعية ومنها النفط تواجه تحديات في تنويع مصادر دخلها من خلال تنويع اقتصادها. لكن هذه الدول تحقق تقدما ملموسا في هذا الاتجاه، وفي المقابل لم يصل العراق إلى مرحلة الوقوف على الطريق في اتجاه تنويع اقتصاده بهدف تحرير الاقتصاد من عبودية الريع النفطي”.
حافة الهاوية
بدوره، رأى الخبير في الاقتصاد العراقي، أحمد عبد ربه، أن “العراق يعيش مأساة اقتصادية بسبب لعنة النفط، والعقلية السياسية التي أدارت البلد منذ أكثر من 20 عاماً، ليس لديها حماس لتخليص العراق من الريعية النفطية، والتخبط في النظام السياسي هو ما جعل العراق يتمسك بهذه الريعية، وهي تدفعه إلى حافة الهاوية، مع العلم أن العالم دائم السعي لاكتشاف مصادر للطاقة لكن في العراق تتمسك السلطة بالنفط”.
رأى الخبير في الاقتصاد العراقي، أحمد عبد ربه، أن “العراق يعيش مأساة اقتصادية بسبب لعنة النفط
واستكمل عبد ربه حديثه بأن “الحكومات العراقية أخفقت في المجالات التنموية بضمنها الصناعة والسياحة والزراعة، وحتى في القطاع النفطي، لأن العراق يعد بلداً نفطياً لكنه فشل في تصفية النفط وتكريره، ولا يزال يستورد المشتقات النفطية”.
وأكد أن “هناك حاجة لإصلاح اقتصادي عاجل، وخطة تمتد لـ 10 سنوات على أقل تقدير، لسحب العراق من الاعتماد على النفط، لأن أي أزمة حتى وإن كانت طارئة مثل جائحة كورونا، قد تؤدي إلى رفع معدلات الفقر والبطالة، وفي حال حصلت مثل هذه الأزمة ستعجز الحكومة عن سداد رواتب الموظفين”.
ويعتمد العراق على إيرادات النفط بشكل رئيسي، ويسعى إلى زيادة طاقته الإنتاجه بشكل متواصل. وأكدت وزارة النفط العراقية، أن إيرادات شهر يناير/كانون الثاني الماضي بلغت أكثر من 8 مليارات دولار.
وذكر بيان للوزارة أن”مجموع الصادرات المتحققة لشهر يناير الماضي، بحسب الإحصائية الصادرة عن شركة تسويق النفط العراقية (سومو)، بلغ نحو 103 ملايين برميل.