2024.. عام التحولات الكبرى

كتب محمد الجدعي في صحيفة القبس.
شهد عام 2024 أحداثًا غيّرت مجرى العالم على المستويات السياسية، الاقتصادية، والتكنولوجية والإنسانية. انتخابات حاسمة، صراعات دامية، وتطورات تقنية وثقافية رسمت صورة معقدة للعام الذي يوشك على الانتهاء.
في عالم الكوارث التكنولوجية، أثارت أزمة المطارات والتي تعرضت لعطل تقني أدى لشلل تام لأنظمتها وتوقف الطيران لساعات طويلة، تساؤلات حول هشاشة الاعتماد المفرط على التقنية ومدى كفاءة أنظمة الحماية الأمنية والاحتياطية. أما في التطور التقني فقد أحدث الذكاء الاصطناعي في عام 2024، تحولات عميقة، حيث أعاد تشكيل الاقتصاد ورفع الإنتاجية، وربما قد يسهم في حل الأزمات الإنسانية المعقدة، بينما تصاعد الجدل حول استخداماته الأخلاقية في الحروب والأنظمة الأمنية والمفاعلات النووية.
في الهند، استعاد ناريندرا مودي ثقة شعبه بفوزه برئاسة الوزراء للمرة الثالثة، وقد حل ضيفا على الكويت قبل أيام وتقلد قلادة مبارك الكبير كأعلى وسام في الدولة، معززًا قبضته على أكبر ديموقراطية في العالم. بينما في كوريا الجنوبية، أكثر الديموقراطيات تقدماً في آسيا، اتخذ الرئيس خطوة جريئة بفرض الأحكام العرفية، والذي تراجع عنه بعد ساعات، في محاولة لتحقيق إصلاحات لم تكن لتحظى بالإجماع في البرلمان حتى تم التصويت على عزله. أما في الولايات المتحدة، فقد عاد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بعد حملة مثيرة للجدل، مما يعيد تشكيل سياسات القوة العالمية.
لكن لم تكن السياسة وحدها في الواجهة؛ ففي روسيا، استمر النزاع مع أوكرانيا بلا هوادة، بينما تحول السودان إلى مسرح لحرب أهلية مأساوية. وعلى الجانب الآخر، كانت غزة شاهدة على أسوأ كارثة إنسانية منذ عقود، حيث شنت إسرائيل هجومًا داميًا أدى إلى مقتل أكثر من 40,000 فلسطيني، تاركة جرحًا عميقًا في ضمير العالم.
ولكن مجلة الإيكونوميست لديها تقليد صحافي سنوي تتبناه في نهاية كل عام وهو: جائزة «دولة العام»، التي تُمنح للدولة التي حققت أكبر تقدم إيجابي.
كانت المنافسة هذا العام بين بنغلادش وسوريا. في بنغلادش، أسفرت ثورة طلابية عن إسقاط شيخة حسينة بعد عقدين من الحكم الاستبدادي، وتم تعيين محمد يونس، الحائز «نوبل»، رئيسا مؤقتا، مما أطلق شرارة إصلاحات ديموقراطية واقتصادية.
أما سوريا، فقد شهدت تحولًا تاريخيًا بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد، في خطوة أنهت حقبة مظلمة طويلة وثورة استمرت نحو 14 عامًا. ومع ذلك، يبقى السؤال معلقًا حول قدرة سوريا على البناء وسط تحديات إعادة الإعمار وانقسامات القوى.
اختارت «الإيكونوميست» في النهاية بنغلادش كـ«دولة العام» بفضل استعادتها النظام العام وتقدمها الاقتصادي اللافت. إنه تذكير بأن التغيير ممكن، حتى في أحلك الظروف.
في الختام، كان عام 2024 عامًا زاخرًا بالتحولات الكبرى، بين آلام النزاعات وآمال التغيير. ورغم قسوة الأحداث وتعقيد المشهد العالمي، أثبتت الشعوب أن الصمود والإرادة هما مفتاح التغيير، وأن النور قد ينبثق حتى من أحلك الزوايا.
ومع حلول عام 2025، تبقى الآمال معلقة بأن يكون عامًا يحمل معه بوادر سلام أعمق، ونماء أوسع، وابتكارات تُعيد تشكيل حياة البشر نحو الأفضل. إنها دعوة للجميع أن ينظروا إلى الأمام بعيون ملؤها التفاؤل وأيادٍ مستعدة لبناء مستقبل أكثر إشراقًا.