2021: عرب الارتباك.. وعرب القرارات الصعبة
كتب رضوان السيد في “اساس ميديا”: “بدا العميد تركي المالكي، المتحدّث العسكري باسم التحالف العربي لدعم الشرعية باليمن، في مؤتمره الصحافي يوم الأحد الماضي، شديد التصميم على إنهاء الحرب على اليمن التي تشنّها ميليشيات الحوثيين، التي صنعتها إيران، على البلد العربي وعلى المملكة العربية السعودية.
تستمرّ الحرب في البرّ والبحر منذ العام 2015، وقد سقط فيها عشرات الأُلوف من الشهداء والضحايا، وتهجّر الملايين، وانتشرت الأوبئة والمجاعات، وما يزال الحوثيون مصرّين على الاستيلاء على مأرب، مع إطلاق مئات البالستيّات والمسيَّرات على اليمنيين في مخيّمات النزوح وعلى الأعيان المدنيّة في نواحي المملكة.
هي حربٌ تنخر في خاصرة الجزيرة والوطن العربي. ولا تقلُّ عنها هَولاً الحرب في سورية وعلى سورية، والمستمرّة منذ العام 2011. ويبلغ من هولها سقوط قرابة المليون ضحيّة، وتهجير اثني عشر مليوناً بالداخل وإلى الخارج، وانقسام البلاد السورية إلى عشرات المعسكرات، و”المقاطعات” التي ترعاها عدّة دولٍ كبرى ووسطى، أمثال روسيا الاتحادية والولايات المتحدة وتركيا وإيران وميليشياتها التي لا تغيب عن المشاركة في أيّ فتنةٍ أو خراب!
هاتان الحربان تشكّلان جبهة الحروب المشتعلة. أمّا الجبهة الأُخرى فأُحبُّ تسميتها جبهة الحروب الخامدة في العراق وليبيا. ما عاد هناك قتالٌ مندلعٌ، لكنّ كلَّ طرفٍ واقف عند سلاحه وجبهته.
ومن أجل السلم أو سلامة الحدّ الأدنى تحاول سلطات هذين البلدين، ومعهما المجتمع الدولي، الدخول في جبهةٍ ثالثةٍ هي جبهة الانتخابات باعتبارها المخرج من النزاعات المسلَّحة، وصارت تضمّ إلى ليبيا والعراق كلاًّ من لبنان والسودان.
وإلى هذه الجبهات الثلاث هناك جبهةٌ رابعةٌ هي جبهة البلدان العربية المأزومة. والأزمة سياسيّةٌ كما في تونس ولبنان، لكنّ المخاطر نوعان: أن تتردّى البلدان المأزومة في نزاعاتٍ مسلَّحةٍ أو ثورانات مفتوحة، وأن تعود فيها مخاطر الإرهاب إلى ارتفاع. وهذا يعني أنّ بلدان الجبهات الأربع تظهر فيها “اشتراكات” في وجوه هشاشتها ومجاعاتها واضطرابها، مثل اشتراكات وتداعيات الأمراض على الجسم الضعيف. والأمثلة على ذلك متعدّدة. فبلد النزاع أو التأزّم فيه أزمة اقتصادية ومعيشية متفاقمة، وفيه “قابليّات” لعودة التطرّف والإرهاب. وفيه “قابليّاتٌ” أيضاً لمزيدٍ من التدخّلات الإقليمية والدولية على الموارد وعلى النفوذ الاستراتيجي.
من ظواهر ومظاهر التأمُّل والتفكير الانفتاح العربي من جانب الدول العربية الكبرى على الصين وروسيا… وأوروبا، بشكلٍ لم يكن معهوداً من قبل. فهل يؤثّر ذلك على الأدوار الاستراتيجيّة للقوى العظمى في الشرق الأوسط والخليج؟
ماذا تعني هذه النزاعات المندلعة أو الخامدة أو الممكنة، وما جلبته وتجلبه على حوالي المئة مليون عربي؟
كلّ هذه البلدان تقريباً كان يحكمها العسكريون، أو تقع مثل لبنان تحت سيطرة بلدٍ يحكمه العسكريون. وكلّ هذه البلدان تشترك في واقع المعاناة من التصدّع الدولي من حولها، والعجز في الوقت نفسه عن التلاؤم مع متغيّرات الإقليم والعالم. بعد الحرب الباردة جاءت فترة قصيرة من الهيمنة الأميركية (1990-2008)، ثمّ دخل العالم في “حقبة التصدّع الدولي”، حيث ينقسم العالم إلى جبهات، كلٌّ منها تتبع قوّةً عظمى، وفيما بين الجبهة والجبهة تسود نزاعاتٌ على مناطق ودول لم يُحسمْ أمرها بعد لمصلحة هذه الجبهة أو تلك. وربّما كانت بلدان الوطن العربي هي الأكثر معاناةً في العالم من هذا الواقع الذي تردّى فيه النظام الدولي. وعلى سبيل المثال: إلى أين يتّجه لبنان أو يتّجه السودان أو تتّجه تونس وسط هذا العالم المتصدّع؟ ونحن نذكر بلدان الهشاشة هذه ولا نذكر بلدان النزاع التي صارت مناطق تقاسم بالفعل من دون أن يعني ذلك أنّ النزاع عليها انحسم!
إنّ معظم هذه الظواهر والمظاهر مستمرّة منذ ما قبل العام 2021. وما ذكرناه ليس أكثر من وصفٍ لواقع الحال المتفاقم على الجبهات الأربع. إنّما هناك مظاهر جديدة لا يمكن إدراك كنهها أو عواقبها بعد. ومنها إقبال عددٍ من الدول العربية على إقامة علاقاتٍ مع إسرائيل، وازدياد الفلسطينيين انقساماً، وصيرورة النزاع الرئيسي في منطقة المشرق نزاعاً بين إيران وإسرائيل.
ومنها أيضاً سوادُ ممارسات الحوار الذي يؤدّي إلى تقارُبٍ أو لا يؤدّي. ومن الأمثلة على ذلك المحادثات بين تركيا ومصر ودول الخليج العربية، وتبادل الزيارات بعد خصومةٍ لحوالي العقد. ومن الأمثلة ممارسات الحوار مع إيران سرّاً وعلناً من دون أن تظهر نتائج بارزة.
ومن مظاهر وظواهر التغيّر انتهاء النزاع داخل مجلس التعاون الخليجي باتفاقيّة العُلا، ثمّ اجتماع قمّةٍ لمجلس التعاون بالرياض بعد طوافٍ لوليّ العهد السعودي على الدول الخليجيّة الخمس الأُخرى.
ومن ظواهر ومظاهر الأمل استمرار المشروعات التنموية الكبرى في المملكة العربية السعودية ومصر ودولة الإمارات العربية.
كما أنّ من ظواهر ومظاهر التأمُّل والتفكير الانفتاح العربي من جانب الدول العربية الكبرى على الصين وروسيا… وأوروبا، بشكلٍ لم يكن معهوداً من قبل. فهل يؤثّر ذلك على الأدوار الاستراتيجيّة للقوى العظمى في الشرق الأوسط والخليج؟
ما قلَّتْ ممارسات الانسحاب الأميركي من المسرح الشرق أوسطيّ أيّام بايدن. وما تأخّرت روسيا والصين والهند، وحتى أوروبا، في الدخول للحلول محلَّ الولايات المتحدة حتى في صفقات التسلّح. ولا ينبغي أن ننسى متغيّرات مسرح “العمليّات” المتوسطيّ بدخول مصر القويّ عليه وشراكتها مع دولٍ أوروبية متوسطيّة، ومنافسة مصر لتركيا ليس في البحر وحسْب، بل وفي البرّ الليبيّ أيضاً.
ما تقدّم الوطن (أو العالم؟) العربي على طريق الاستقرار في العام 2021. لكنّ دول الاستقرار والتنمية ماضيةٌ في صنع حاضرٍ ومستقبلٍ آخرَيْن، سواء في تكبير أحجام اقتصاداتها ومواردها أو في فعّالياتها على المسرحين الإقليمي والدولي. والمأمول والمعلن في العام 2022 أن تتعاون دول الاستقرار والتنمية العربية في مبادرات مشتركة لاستعادة البلدان المأزومة ومشاركة المجتمع الدولي في محاولات استنقاذ الدول والبلدان التي صدّعتْها الميليشيات والتدخّلات الإقليمية والدولية.”