ما بعد وقف إطلاق النار، وحرب المقايضات على غزة ودمشق

كتب فارس الحباشنة في صحيفة الدستور.
غزة لن تكون آخر مذبحة وإبادة إسرائيلية بحق الفلسطينيين والعرب.
من الواقعي القول إن حرب الـ24 شهرًا في غزة والإقليم وفّرت فرصة تاريخية أمام واشنطن وتل أبيب في تصفية وإنهاك محور المقاومة لإعادة إنتاج ما يسمى أيديولوجيا السلام. المقاومة في غزة ولبنان تم تجريدها من قوة الردع، والمقاومة ضعفت مجاذيفها، وجفّت منابعها السياسية والعسكرية.
وفي الإقليم، اليوم استدارة نحو بناء تحالف سلام عربي/إسلامي/أمريكي. نعم، أيديولوجيا السلام تقوم على جملة من الأفكار والرؤى النابذة للمقاومات والعمل المسلح والعسكري، والداعية إلى السِّلم والمصالحات والدبلوماسية، ونبذ التضحية والفداء، باعتبارها قيمًا عاطفية تدعو إلى ثقافة الموت ولا تعبّر عن ثقافة حبّ الحياة.
وأن الصراع العربي/الإسرائيلي هو مجرد سلسلة من القضايا الإجرائية يمكن حلها بالتفاوض والدبلوماسية، وتحويل الصراع من تاريخي ووجودي وحضاري إلى نزاع على فتح حدود ومعابر إنسانية للمساعدات، وخلاف حدوديٍّ بين جارين. وثمة نخب عربية تتقاطع أفكارها الأيديولوجية مع لبرلة الاقتصاد والسياسة، ونلاحظ أن هذه النخب تميل إلى أمريكا والغرب، وتميل إلى تصورات تختصر الصراع مع إسرائيل في تسويات اقتصادية وتنموية، ومشاريع استثمارية كبرى. ومن الواضح أن إسرائيل بعد أوسلو لا تفكر في نظرية: الأمن مقابل السلام. وهذه الثنائية سقطت من القاموس السياسي الإسرائيلي. بل، على العكس، إن إسرائيل تسوّق اليوم لنظرية السلام مقابل الأمن، وبعدما تمكنت إسرائيل من قضم الضفة الغربية وإعادة تشكيلها بحيث لا تصلح لإقامة أي كيان سياسي.
وهي حقيقة جعلت من اتفاقية أوسلو مجرد اتفاقية على ورق بلا مضمون، وبقيت الحقوق التاريخية للفلسطينيين عالقة ما بين حق العودة وإيجاد تسوية واقعية لقضية اللاجئين والنازحين، من خلال إقامة كيان فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة. وقف إطلاق النار في غزة تم تحت رعاية تركية وقطرية ومصرية، وخطة ترامب تسمح بتصفية المقاومة في غزة، وضبط إسرائيل تحت سقف القبول بدولة فلسطينية، وذلك عبر مسارات تفاوض بطيئة، ودولة محرومة من عناصر الوجود والشرعية. والسؤال المصيري: إلى أين سوف تنتهي حماس بعد وقف إطلاق النار وخطة ترامب؟
وهل سيكون مصير القطاع المقاوم والمحاصر والمنكوب قد حُسم أمره لصالح تحويله إلى ريفييرا الشرق الأوسط؟ ومنفصلًا عن الضفة الغربية.
في تل أبيب عين على غزة وأخرى على دمشق، حيث إن إسرائيل لا تسمح بتحويل سورية إلى منطقة نفوذ أمريكية تتقاسمها مع دول إقليمية أخرى.
تركيا تسعى، بعد اتفاق وقف إطلاق النار، والضغط على حماس في قبول خطة ترامب واتفاق وقف إطلاق النار، إلى جني الثمار وترجمة ذلك سياسيًا واستراتيجيًا، وتصفير خلافاتها القديمة مع الإدارة الأمريكية. ماذا لدى تركيا لدعم حماس والمقاومة في غزة؟ في حرب الـ24 شهرًا، ما ملكت المقاومة من قوة صاروخية وتسليحية، وقوة لوجستية وأمنية وعسكرية، كان بدعم من إيران وسورية وحزب الله، وهو محور بدأ بالاختفاء والانكماش من الإقليم، وإيران بعد سقوط نظام بشار الأسد عادت إلى الاحتواء والانكفاء الذاتي.
فما مقدور حماس والمقاومة في غزة على الصمود إذن؟ وما الذي سيكسب حماس غطاءً إقليميًا لتبقى حركة سياسية وعسكرية مسلحة؟ محور ما بعد وقف النار، يسعون إلى فتح طريق إلى غزة بحثًا عن نفوذ استراتيجي، وموطئ قدم على البحر المتوسط، وحروب الممرات المائية والمعابر التجارية.
فإلى أي مدى ستكون المقايضة الأمريكية/الإسرائيلية/التركية على مصير غزة وسورية؟




