رأي

الإمارات وتشاد.. صداقة تصنع المستقبل

كتب د. خالد راشد الزيودي في صحيفة الخليج.

“الطريق الطويل يصبح قصيراً برفقة الصديق”، مثلٌ شعبي تشادي يحمل في طياته حكمةً عميقة، تؤكد قيمة التعاون والشراكة في الوصول إلى الأهداف المشتركة، هذه الحكمة التشادية الأصيلة تتجسّد اليوم بوضوح في العلاقات بين دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية تشاد، التي تعززت مؤخراً بزيارة المشير محمد إدريس ديبي إتنو، رئيس جمهورية تشاد، إلى دولة الإمارات العربية المتحدة.
وتُعدّ جمهورية تشاد، الواقعة في قلب القارة الإفريقية، من الدول ذات الأهمية الاستراتيجية الكبيرة، إذ تمثل نقطة اتصال حيوية بين شمال إفريقيا وجنوبها، وتُشكّل بوابة أساسية لمنطقة الساحل والصحراء الإفريقية، هذه المنطقة التي باتت من أبرز بؤر الاهتمام العالمي بسبب تحدياتها الأمنية وتطلعات شعوبها نحو الأمن والتنمية والاستقرار، وهو ما يجعل التعاون بين الإمارات وتشاد يحمل أهمية كبيرة، ليس فقط على المستوى الثنائي، وإنما على المستوى الإقليمي والدولي.
من هذا المنطلق الاستراتيجي جاءت زيارة الرئيس ديبي إلى أبوظبي واستقبال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة حفظه الله، له وللوفد المرافق في قصر الشاطئ، تأكيداً قوياً على عمق العلاقات التاريخية والمتينة بين البلدين. إن هذه العلاقات تعكس السياسة الخارجية الإماراتية الحكيمة، التي تسعى دائماً إلى بناء جسور التعاون مع الدول الشقيقة والصديقة من أجل تحقيق التنمية المشتركة وتعزيز السلام والاستقرار على الساحة الدولية.
وخلال المباحثات التي جرت بين الجانبين، ناقش الزعيمان فرص تعزيز العلاقات الثنائية واستثمار الفرص المتاحة في هذا الشأن، خاصة في مجالات التجارة والاقتصاد والاستثمار والطاقة والبنية التحتية وغيرها، بما يخدم التنمية المشتركة للبلدين، ويعود بالخير والنماء على شعبيهما. وبالنظر إلى ما تتمتع به الإمارات من خبرات اقتصادية واستثمارية متقدمة، فإن هذه الشراكة تفتح المجال واسعاً أمام نقل الخبرات الإماراتية إلى جمهورية تشاد، وبالتالي تعزيز مسيرتها التنموية، وتوفير فرص عمل للسكان المحليين، وتحسين جودة الحياة لهم.
ومن أبرز ثمار هذه العلاقة ما شهده البلدان مؤخراً من تعاون في المجال الإنساني والتنموي، فبتوجيهات كريمة من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة حفظه الله، ومتابعة سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس الدولة نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس ديوان الرئاسة، وقعت وكالة الإمارات للمساعدات الدولية اتفاقية لبناء وتشغيل مستشفى الشيخة فاطمة بنت مبارك ومركز متخصص لغسل الكلى في العاصمة التشادية أنجمينا، وذلك بهدف تعزيز القدرات الصحية لجمهورية تشاد وتحسين مستوى الخدمات الصحية المقدمة لمواطنيها.
يُعد مستشفى الشيخة فاطمة بنت مبارك، الذي سيتم بناؤه وتشغيله في أنجمينا، مشروعاً نوعياً مهماً، سيُسهم في تحسين جودة الحياة وتوفير رعاية صحية متقدمة للعديد من فئات المجتمع التشادي، وسيضم المشروع إلى جانب المستشفى، مركزاً متخصصاً لغسل الكلى مجهزاً بأحدث التقنيات الطبية، ما يعكس التزام دولة الإمارات بمساندة جهود التنمية البشرية في تشاد، ويُرسّخ صورتها الإنسانية والتنموية الإيجابية لدى المجتمع التشادي.
على الصعيد السياسي، تؤكد زيارة الرئيس التشادي الأخيرة تقدير بلاده لدور الإمارات المهم والمتنامي في دعم التنمية في إفريقيا، إذ أشار الرئيس ديبي خلال زيارته إلى أن العلاقات بين الإمارات وتشاد أصبحت نموذجاً واضحاً للعلاقات الناجحة التي يجب أن يُبنى عليها في المستقبل، وبالإضافة إلى الجانب التنموي والاقتصادي، تمتد العلاقات الإماراتية التشادية إلى مجالات التعاون الأمني والاستراتيجي، فالدولتان تتشاركان رؤى واضحة حول أهمية تحقيق الأمن والاستقرار في منطقة الساحل والصحراء، والتصدي للتحديات الأمنية، خاصة مكافحة الإرهاب والتطرف، ومن هذا المنظور، تدعم الإمارات جهود الحكومة التشادية في مواجهة هذه التحديات الأمنية، إيماناً منها بأن تحقيق الأمن في تشاد ينعكس إيجاباً على أمن واستقرار المنطقة بأكملها.
كما يعكس هذا التعاون أيضاً رؤية حكيمة من صاحب السمو رئيس الدولة، في تعزيز الحضور الإماراتي في القارة الإفريقية من خلال شراكات استراتيجية قوية، وقد عبّر الرئيس التشادي خلال الزيارة عن تقديره الكبير لدور الإمارات الرائد في دعم التنمية والاستقرار في إفريقيا، مؤكداً أن العلاقة بين البلدين باتت نموذجاً للشراكات الناجحة التي يمكن البناء عليها مستقبلاً.
إن هذه العلاقات الاستراتيجية بين الإمارات وتشاد، التي تزداد رسوخاً مع الوقت، تفتح الباب أمام فرص واعدة للتعاون الثنائي في المستقبل، وترسّخ مفهوماً جديداً للعلاقات الدولية المبنية على الاحترام المتبادل وتحقيق المصالح المشتركة، كما تؤكد هذه العلاقة أن الإمارات بقيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة حفظه الله، أصبحت نموذجاً يحتذى في الدبلوماسية البناءة القائمة على دعم التنمية والاستقرار في مختلف دول العالم.
ختاماً، تُجسّد العلاقات الإماراتية التشادية صورة واضحة للدور الريادي الذي تلعبه دولة الإمارات على المستوى الدولي، وتعكس عمق رؤيتها السياسية والإنسانية تجاه شعوب العالم، وهو ما يجعل هذه العلاقات مثالاً راسخاً للتعاون المثمر والبنّاء في المشهد السياسي الدولي، ومصدر إلهام للعلاقات العربية – الإفريقية في الحاضر والمستقبل.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى