الحكومة البريطانية “تتلاعب بالبيانات” لتقليص تراكم طلبات…

وجهت اتهامات إلى رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك بـ”التلاعب بالبيانات”، من خلال إزالة آلاف من طلبات اللجوء من النظام، وذلك بعد تعهده بإنهاء تراكم تاريخي بحلول نهاية هذه السنة.
فخلال ثلاثة أشهر فقط، شطب أكثر من ستة آلاف شخص من القائمة، من دون إجراء تقييم كامل لملفاتهم، لأسباب ترتبط مثلاً بعدم حضورهم المقابلات، أو الإخلال بالمواعيد، وعدم تعبئتهم استبيانات “المسار السريع” الجديدة.
وقد تضاعفت الأرقام أربع مرات بعدما تعهد رئيس الوزراء في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي بإنهاء التراكم في طلبات اللجوء منذ شهر يونيو (حزيران) عام 2022. وتقوم الحكومة الآن بسحب طلبات أكثر مما تقرر البت في شأنها، مما أثار شكوكاً واتهامات بأنه يجري التخلص من الملفات المتأخرة “بأساليب ملتوية وغير رسمية”.
وتنص التوجيهات الرسمية التي اطلعت عليها “اندبندنت”، على أنه يمكن لوزارة الداخلية سحب الطلبات من دون موافقة طالبي اللجوء – حتى في الحالات التي لا يتمكنون فيها من الاتصال بالفرد أو تحديد مكانه. وفي مثل هذه الحالات، يتم تسجيل خطاب الإخطار “لأغراض إدارية فقط” (للإشارة إلى سحب الطلب).
بعد استبعاد هؤلاء الأفراد من النظام، يصبحون غير مؤهلين للحصول على السكن والدعم المالي المقدمين لطالبي اللجوء المعوزين. وأعرب عضو برلماني من حزب “المحافظين” عن قلقه، محذراً من أنه بمجرد إبعاد هؤلاء، يمكن أن “يختفوا من دون أن يتركوا أثراً”.
واتهم حزب “العمال” المعارض الحكومة بـ”التلاعب بالبيانات” لتقليل أعداد الطلبات المتراكمة، فيما اتهمت جمعيات خيرية الحكومة بترك طالبي اللجوء عرضة لخطر الترحيل والتشرد.
النائب “المحافظ” كريغ ماكينلي قال لـ”اندبندنت”: “يبدو هذا الوضع أشبه بعفو غير رسمي، ويشكل ثغرة أخرى تسمح لآلاف من طالبي اللجوء المحتملين – بغض النظر عن صحة ادعاءاتهم وطلباتهم – بالاختفاء للعمل في الاقتصاد الخفي (السوق السوداء) من دون ترك أي أثر”.
وقد تزايد استخدام هذا التكتيك منذ أن تعهد رئيس الوزراء البريطاني بالبت بحلول نهاية هذه السنة، بمصير 92 ألف طلب لجوء متراكم منذ يونيو عام 2022.
وقد انكب مسؤولو وزارة الداخلية البريطانية في الأشهر الثلاثة التي سبقت إعلان السيد سوناك تعهده، على سحب 397 طلب لجوء من دون موافقة المتقدمين بها، لكن في الفترة الممتدة ما بين يناير (كانون الثاني) ومارس (آذار)، ارتفع العدد إلى 2029.
وقامت الحكومة بسحب 4039 طلب لجوء آخر في الفترة نفسها لأسباب أخرى، بما فيها تلك التي وافق أصحابها رسمياً على ذلك.
وتم البت في 5800 حالة فقط بشكل كامل في ذلك الوقت، مع منح أربعة آلاف شخص الحماية، ورفض 1800 طلب.
مسؤول في وزارة الداخلية قال لـ”اندبندنت” إن الإخفاق في الحضور إلى مقابلات اللجوء أو في التقدم إلى أحد مراكز الهجرة، هما سببان يتم استخدامهما “كثيراً” في عملية سحب طلبات اللجوء.
وأوضح أن ذلك “يحصل لتقليص حجم الملفات المتأخرة، فقد تم حجز كثير من المقابلات لسحب أكبر عدد ممكن من الطلبات (إذا لم يحضر أصحابها)”.
وتشير أرقام رسمية إلى أن هذا التكتيك يستخدم بشكل أساسي ضد المواطنين الألبان، فيما الأفغان هم ثاني أكبر جنسية متضررة، كما أن هناك أيضاً سوريين وإيرانيين وإريتريين وعراقيين، عالقين في هذه العملية.
ستيفن كينوك وزير شؤون الهجرة في حكومة الظل “العمالية” المعارضة، حمل الحكومة المسؤولية عن مراكمة الملفات من خلال إبطاء وتيرة البت بقرارات اللجوء.
وأضاف أن “حكومة ’المحافظين‘ تتلاعب بالبيانات، ولا تعتمد الصدق مع الناس. ويتعين عليها الإفصاح عن عدد طالبي اللجوء الذين ’سحبت‘ طلباتهم، والذين قد يفسح المجال لهم بالاختفاء في الاقتصاد غير المشروع في المملكة المتحدة، من دون ترك أي أثر أو سجل لمكان وجودهم، بحيث لن يسمع عنهم مرة أخرى، كما عن عدد الذين يتم إبعادهم عن المملكة المتحدة”.
في غضون ذلك، لاحظ تقرير لـ”مكتب التدقيق الوطني” National Audit Office نشر في شهر يونيو الماضي، أن الجهود لتقليل تراكم طلبات اللجوء تزداد كثافة، بحيث تم تسجيل نحو ثلاثة أرباع نتائج البت في طلبات اللجوء في أبريل (نيسان)، على أنها قد سحبت من النظام.
ووجد التقرير أن الألبان كانوا مستهدفين على وجه التحديد بهذا التكتيك، مشيراً إلى أنه يتطلب منهم “الحضور شخصياً للقاء مسؤولي وزارة الداخلية”، ومن ثم تسحب طلباتهم “إذا تغيبوا من دون سبب وجيه”.
ستيف سميث الرئيس التنفيذي لجمعية “كير فور كاليه” Care4Calais الخيرية للاجئين (التي تعنى بتسهيل أوضاع طالبي اللجوء في شمال فرنسا وبلجيكا)، رأى أنه “ينبغي على الحكومة ألا تلجأ إلى التخلص من الملفات المتراكمة، من خلال القيام بسحبها على نحو غير رسمي، لأن ذلك يترك الآلاف من الناس بلا مستقبل”.
وقال إن “الطريقة التي يتعامل من خلالها المهاجرون مع مسار طلب اللجوء لم تتغير، فلماذا تضاعفت عمليات سحب الطلبات أربع مرات منذ أن تعهد ريشي سوناك بتصفية إرث الملفات المتأخرة التي تسببت بها حكومته؟”.
وأشار إلى أن “وراء كل طلب يوجد شخص حقيقي، والواقع أن اللاجئين الذين تركوا من دون تقديم طلب لجوء، هم أكثر عرضة للاستغلال”.
تجدر الإشارة إلى أنه من بين 2029 طلباً تم سحبها قسراً من النظام في الأشهر الثلاثة الأولى من هذه السنة، كان نحو1400 منها لمتقدمين ألبان، و92 لأفغان، و36 لسوريين وعدد أقل من الجنسيات بما فيها الإريترية والعراقية والإيرانية واليمنية.
وتنص إرشادات وزارة الداخلية على أن هذه السياسة تستهدف الأشخاص الذين “لا يبدون أي اهتمام حقيقي بمتابعة مطالباتهم من خلال عدم الامتثال للإجراءات، أو عدم تقديم بيانات محدثة لطرق الاتصال بهم، أو التواري، أو مغادرة المملكة المتحدة من دون إذن، قبل اتخاذ قرار في شأن طلباتهم”.
وتشمل العوامل التي تستدعي سحب طلباتهم “عدم استكمال استبيان اللجوء”، و”عدم حضور جلسات المثول” (اجتماع طالبي اللجوء مع سلطات الهجرة للتأكد من التزامهم متطلبات الإبلاغ الضرورية وغيرها من المتطلبات الإجرائية)، و”عدم حضور المقابلة المعمقة لتقييم طلبات اللجوء” (لتحديد أهلية الفرد للحصول على اللجوء وجمع المعلومات الأساسية عن طلبه) والفرار.
وتنص التوجيهات على أنه ينبغي إلغاء الطلبات ما لم يتمكن طالبو اللجوء من “تقديم دليل على أن غيابهم كان بسبب ظروف خارجة عن سيطرتهم”، مثل المواعيد الطبية أو التأخيرات في وسائل النقل التي حالت دون حضورهم في الموعد المحدد لهم.
وللشروع في عملية إزالة ملف ما، يجب إصدار تحذير رسمي للأشخاص وتقديم موعد جديد قبل بدء الإجراءات (وذلك لمنحهم فرصة لشرح أسباب تخلفهم عن المواعيد السابقة، وللتأكد من أنهم على دراية بأهمية حضور المواعيد المستقبلية)، وعادة ما يتم ذلك بعد الإخفاق في الحضور لمرتين.
لكن مؤسسات خيرية أعربت عن مخاوفها من الأخطاء التي ترتكبها وزارة الداخلية، بحيث تبعث بالمراسلات إلى عناوين قديمة، كما أن انخفاض الدعم المالي الذي يجعل من الصعب على طالبي اللجوء الحضور إلى مواعيدهم.
منظمة “مساعدة اللاجئين” Asylum Aid [التي تقدم تمثيلاً قانونياً للمستضعفين الذين يطلبون اللجوء في المملكة المتحدة] لفتت الانتباه إلى النهج المقلق المتمثل في استخدام عدم إكمال طالبي اللجوء الاستبيانات ذات المسار السريع، كذريعة لسحب طلباتهم، عندما يتم إرسال الاستمارات باللغة الإنجليزية، ضمن “أطر زمنية قصيرة للغاية”، إلى أشخاص قد يكونون عاجزين عن الحصول على مشورة قانونية.
وقالت مديرة المؤسسة أليسون بيكاب: “لقد لاحظنا وجود مشكلات حقيقية في عدد من الحالات التي نتولاها، لجهة طريقة حفظ وزارة الداخلية السجلات حول عملية الاستبيان، وهناك مخاوف جدية في شأن عدالة القرارات الصادرة، مما قد يؤدي إلى إعادة الأشخاص إلى البلدان التي هم فيها في خطر، من دون أي اعتبار موضوعي لمطالبهم أو حقهم في الاستئناف”.
تيم ناور هيلتون، الرئيس التنفيذي لمنظمة “ريفوجي أكشن” Refugee Action (مؤسسة خيرية تقدم المشورة والدعم للاجئين وطالبي اللجوء في المملكة المتحدة) وصف الوضع بأنه “مقلق للغاية”.
وأضاف “هذا يعني أن كثيراً من الناس سينتظرون لفترة أطول اتخاذ قرار في شأن طلباتهم. وخلال هذه الفترة، يعيشون في غياهب النسيان بمستويات منخفضة للغاية من الدعم المالي، ومن دون الحق في العمل، وفي مساكن رهيبة”.
وفي تعليق على ما تقدم، قالت وزارة الداخلية إنها تبذل “كل جهد ممكن” لترحيل الأشخاص الذين تم سحب طلباتهم، على رغم أن الاتفاقية الوحيدة التي أبرمتها الحكومة البريطانية لإعادة لاجئين هي مع ألبانيا.
وأضاف متحدث باسم الوزارة: “نحن على المسار الصحيح للتخلص من عبء تراكم طلبات اللجوء “القديمة”. وتظهر أحدث الأرقام انخفاضاً مقداره 17 حالة، فيما ارتفع عدد القرارات التي تم اتخاذها بشكل عام، بنسبة 35 في المئة”.
وختم بالقول: “إن جهودنا الرامية إلى تسهيل إجراءات معالجة الطلبات، تنعكس من خلال الإحصاءات التي تظهر الآن زيادة في عدد الطلبات المسحوبة، والتي تحدث لعدد من الأسباب بما فيها مغادرة أشخاص المملكة المتحدة قبل النظر في طلباتهم، أو اختيارهم متابعة طلب آخر للحصول على إذن بالبقاء في البلاد”.