افتتاحية اليوم: الخيارات الضيقة

يقف لبنان اليوم أمام مفترق طرق حرج، إذ تتقاطع عليه ضغوط خارجية متزايدة مع أزمات داخلية تجعل من أي خيار سياسي أو اقتصادي مغامرة محفوفة بالمخاطر. وتشكل الضغوط الأميركية المتصاعدة أحد أبرز العوامل التي تدفع الحكومة اللبنانية إلى إعادة حساباتها في أكثر من ملف، من السياسة الإقليمية إلى الأوضاع الاقتصادية، مروراً بملف الحدود الجنوبية والشرقية.
فالولايات المتحدة الأميركية، تبدو وكأنها تسعى في هذه المرحلة إلى رسم خطوط حمراء جديدة أمام الدولة اللبنانية، وهذا ما ظهر من خلال مواقف المسؤولين الأمريكيين الذين زاروا لبنان في الفترة القريبة الماضية، في محاولة لتقييد حركتها وربط قراراتها بمصالح واشنطن الإقليمية.
هذا الواقع يضع لبنان أمام خيارين أحلاهما مرّ: إما الانخراط الكامل في المعادلة الأميركية وما تحمله من أثمان داخلية، أو محاولة الحفاظ على قدر من التوازن الذي يضمن الحد الأدنى من استقلالية القرار الوطني.
لكن الانقسام الداخلي العميق بين القوى السياسية والذي ينذر بالتفاقم على خلفية قانون الانتخاب، ومعه ملف السلاح، يجعل من الصعب توحيد الموقف تجاه أي ضغط خارجي، ما يترك الباب مفتوحاً أمام مزيد من الارتباك والتردد في مقاربة الملفات الحساسة.
في المقابل، يدرك الأميركيون هشاشة الوضع اللبناني، ويستخدمونها كورقة ضغط فعالة لتحقيق مكاسب سياسية في ملفات إقليمية أوسع. فيما لبنان، محكوم اليوم بضرورة إدارة أزماته بحذر، وتجنّب السقوط في فخ الاصطفافات الحادة التي قد تدفعه إلى مزيد من العزلة والانهيار.
وسط هذا المشهد الملبّد، تبدو الحاجة ملحّة إلى رؤية لبنانية موحّدة قادرة على تحصين البلاد أمام العواصف المقبلة. فالتعامل مع الضغوط الخارجية لا يمكن أن يكون فاعلاً من دون إصلاح داخلي يعيد للدولة توازنها ومصداقيتها. عندها فقط يمكن للبنان أن يتحول من ساحة ضغط إلى طرفٍ قادر على رسم حدوده السياسية والاقتصادية بنفسه، بعيداً عن إملاءات الخارج وضجيج الأزمات الداخلية.




