اقتصاد ومال

100 يوم من القتال… كيف ألقت بظلالها على اقتصاد السودان؟

بعد مضي 100 يوم على اندلاع شرارة الحرب الأهلية في السودان، يرزح اقتصاد البلد العربي الأفريقي تحت وطأة المعارك التي لم تتوقف على رغم الوساطات الدولية بين الجنرالين المتصارعين، رئيس المجلس العسكري الانتقالي، عبد الفتاح البرهان، وخصمه قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو.

وتلقت قطاعات الاقتصاد السوداني، بخاصة القطاع النفطي، ضربة قاصمة حسبما تظهر تجليات العناد العسكري، من ارتفاع لمعدلات الفقر والتضخم وتدني قيمة العملة ونزوح الآلاف من المدن وتدهور مستويات المعيشة وإعاقة التجارة من وإلى البلد الواقع في الشرق الأفريقي، وندوب وتشوهات حملتها أوجه المباني والمرافق والبنية التحتية من آثار القصف المتبادل.

وألغى الصراع في السودان مسار برنامج الإصلاح المدعوم من صندوق النقد الدولي وزاد من تقويض قدرة الخرطوم على السداد لمجموعة من الدائنين، في وقت قدرت مدفوعات القروض والرسوم المتأخرة للدائنين الخارجيين بأكثر من 140 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.

بفساد مستشر وعقوبات دولية، جاءت الحرب لتستكمل ثالوث معاناة السودانيين، إذ تحدثت تقارير اقتصادية عما حملته المعارك من فواتير إضافية سيتعين سدادها، كان آخر هذه التقارير، ما أوردته وكالة “ستاندرد آند بورز غلوبال كوموديتي إنسايتس” في شأن إمدادات النفط من ثاني أصغر منتج في “أوبك +”، الذي يضخ ما يقرب من 50 ألف برميل في اليوم من الخام، وهو أقل بكثير من 160 ألف برميل في اليوم من جنوب السودان، لكن الأخير يرسل كل نفطه الخام عبر خط أنابيب الخرطوم إلى بورتسودان، ما يجعل القطاع الحيوي في مرمى نيران الخصمين.

174 ألف برميل

ووفق بيانات الشحن من “كبلر”، بلغت صادرات الخام من كل من السودان وجنوب السودان 174 ألف برميل في اليوم في يوليو (تموز) الماضي، وهو أعلى مستوى منذ فبراير (شباط) 2021، وظلت تدفقات الخام ثابتة في وقت استفادت القوات الموالية للجنرالين المتحاربين من قطاع الطاقة الحيوي، حسبما قال محللو وكالة “ستاندرد آند بورز غلوبال كوموديتي إنسايتس”.

على رغم ذلك، لا تزال أسواق النفط يقظة مع استمرار الصراع الذي طال أمده في زيادة احتمالية استهداف البنية التحتية للطاقة، مما قد يجر جنوب السودان المعتمد على النفط (أكبر منتج في المنطقة) إلى المعركة.

وتنتج مصفاة الجيلي العاملة الوحيدة في السودان، التي تبلغ طاقتها الإنتاجية 100 ألف برميل في اليوم، وتقع على بعد 70 كيلومتراً من الخرطوم، 51 في المئة من طاقتها، وفقاً لـ”كبلر”، على رغم تأكيد الاستيلاء عليها من قبل “قوات الدعم السريع” في أبريل (نيسان) الماضي.

وبينما أثار القتال طويل الأمد التكهنات بأن البنية التحتية النفطية ستتعرض للاستهداف في مسعى من جانب “قوات الدعم السريع” لقطع مصدر رئيس لإيرادات قوات الجيش، يعتقد محلل شؤون أفريقيا في “فيرسك ميبلكروفت” البريطانية للاستشارات المتعلقة بتقييم الأخطار بن هانتر أن هذا لم يتحقق لأن كلا الجانبين يستفيدان من هذا القطاع.

ويضيف هانتر، أن “الجانبين يسيطران على أجزاء مختلفة من البنية التحتية النفطية في البلاد، فليست هناك حاجة كبيرة لمهاجمتها لأن قوات الدعم السريع أو الجيش يمكن أن يمنعوا الصادرات إذا رغبوا في ذلك، ويأمل الجانبان في الاستفادة من عائدات النفط التي تشتد الحاجة إليها وسيؤدي تدمير المنشآت إلى منع ذلك”.

ويعتقد محلل “فيرسك ميبلكروفت”، أن قوات الدعم السريع تتلقى أموالاً من تشغيل المصفاة، وفي الوقت نفسه تتلقى القوات المسلحة السودانية الأموال من مبيعات النفط ورسوم العبور التي يدفعها جنوب السودان لاستخدام خط أنابيب الخرطوم، معتبراً أن “قوات الدعم السريع والجيش ليسا على استعداد للمخاطرة بمواجهة جار معاد على حدودهما الجنوبية حتى الآن”.

تخفيضات النفط السوداني

من ناحية أخرى، تشير مذكرة “ستاندرد آند بورز” إلى عمق التخفيضات على خامي مزيج النيل ودار لمايو (أيار) إلى أدنى مستوى، بخصم خمسة دولارات للبرميل للأول، وخصم يتراوح بين اثنين إلى أربعة دولارات للثاني، في وقت تواجه خامات جنوب السودان صعوبة في العثور على سفن مستعدة لتحميل النفط، بخاصة بعد أضافت شركة التأمين البريطانية “يو كي وور ريسكس” السودان إلى قائمتها للمناطق عالية الخطورة، جنباً إلى جنب وخليج غينيا وأوكرانيا.

ويعتقد هانتر وآخرون من “ستاندرد آند بورز”، أن توسع رقعة المعارك، يدفع بتدفقات النفط إلى مساحات أخطر، بخاصة في ظل تهديد قوات الدعم السريع بإغلاق مصفاة الخرطوم ما لم يتوقف جنوب السودان عن دفع رسوم العبور للجيش السوداني، وهو ما يوضح الأخطار التي يتعرض لها قطاع النفط في حال استمر الصراع إلى أمد أطول.

وبعيداً من استهداف قطاع النفط في الوقت الراهن، يعتقد الباحث في “تشاتام هاوس”، أحمد سليمان، أن “الأطراف المتحاربة لا تزال تركز في المقام الأول على تغيير ميزان الصراع لصالحها وتستخدم وجود مسارات وساطة متعددة لكسب الوقت”.

كانت وكالة “فيتش” توقعت في مايو الماضي، انكماش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للسودان بنسبة 3.1 في المئة العام الحالي في انكماش أكثر حدة من الانخفاض المقدر بنسبة اثنين في المئة العام الماضي، إثر تعطل النشاط الاقتصادي بسبب مواصلة الحرب، وفي الغالب سيتضرر النمو الاقتصادي المدفوع بالاستهلاك، نتيجة تراجع نشاط المستهلك في المناطق الحضرية مع استمرار الاشتباكات، بخاصة الخرطوم وأم درمان، وسط توقعات بفرار 500 ألف سوداني إلى دول الجوار، وبلوغ عدد اللاجئين 800 ألف، وفق تحذير سابق للأمم المتحدة.

مؤشرات اقتصادية مقلقة

ويتوقع للتضخم في السودان، أن يصل متوسطه إلى 70 في المئة العام الحالي، وبينما تفتقر الحكومة إلى الموارد اللازمة لتحفيز الاقتصاد، من المتوقع أن تنخفض الإيرادات بنسبة 6.4 في المئة بنهاية العام الحالي، مع انكماش الاقتصاد وبقاء معظم أشكال الدعم المباشر للميزانية مجمداً.

وتثير المعارك مخاوف في شأن الصادرات التي من المتوقع أن تتراجع العام الحالي، وعلى رغم أن وتيرة القتال لم تؤثر في المناطق الزراعية الرئيسة في الجنوب الغربي حتى الآن، فإن البنية التحتية اللوجستية والخدمات الأخرى المتاحة عادة للمصدرين لم تعد تعمل، بالنظر إلى وقوعها إلى حد كبير في الخرطوم والمناطق الغربية المتضررة من الصراع.

إلى ذلك، يشير أحدث تقارير “فيتش سوليشنز” إلى أن اضطرابات سلسلة التوريد الناجمة عن الحرب ستؤدي إلى انخفاض بنسبة 4.4 في المئة في إجمالي الصادرات العام الحالي، مقابل 4.2 في المئة تراجعاً متوقعاً في الواردات، إثر تعثر سلاسل التوريد وانهيار الطلبات الجديدة، وهو ما من شأنه دفع العجز التجاري للانكماش.

ومع افتراض بدء انحسار القتال في المدن الرئيسة خلال النصف الثاني من العام، فإن الاقتصاد السوداني سيجني في أحسن الأحوال نمواً طفيفاً بنسبة واحد في المئة العام المقبل، دون أن يعود نمو الاقتصاد السوداني إلى مستوى ما قبل الوباء قبل حلول عام 2027، بحسب تقرير “فيتش”.

بلد على هاوية الإفلاس

في سياق متصل، ينظر العضو المشارك في قسم السياسة والعلاقات الدولية بجامعة أكسفورد، هاري فيرهوفن، إلى السودان باعتباره بلداً على شفا الإفلاس، ويلفت إلى قطاع الطاقة تحديداً باعتباره عمود الاقتصاد السياسي للبلد الأفريقي، ويقول إن أيام السودان كبلد قوي وواحد من أكبر منتجي النفط في أفريقيا قد ولت، إذ كان يضخ قبل انفصاله عن الجنوب، 500 ألف برميل يومياً عام 2008، وهي التدفقات التي مكنته في الماضي من تجاوز أزماته الداخلية وزيادة ميزانيات أجهزته الأمنية والإنفاق بسخاء على البنية التحتية.

وفي مذكرة حديثة، يقول فيرهوفن، في شأن المعارك وآثارها في الاقتصاد السوداني، بخاصة إمدادات النفط، إنها جاءت لتضاعف معاناة الدولة الأفريقية بعد صدمتي كورونا والحرب الروسية – الأوكرانية، وإنه في ظل هذه التناقضات والتعقيدات وضيق أفق الحل، لا توجد حلول سهلة لأزمات السودان المتعددة ومن المرجح أن يزداد الوضع السياسي والإنساني سوءاً، كما يقول.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى