فرص السلام في السودان.
كتب حمّور زيادة في العربي الجديد.
رغم مرور أكثر من أربعة أشهر على حرب السودان، وإعلان عشرات الهدن الإنسانية المؤقتة من منبر جدّة التفاوضي، لا تبدو فرص السلام في السودان ووقف إطلاق النار قريبة. ولعل تصريح الأمم المتحدة بأن الوضع في السودان أصبح خارجاً عن السيطرة يوضح عمق الأزمة التي يعيشها البلد الأفريقي المنكوب.
تعدّدت المبادرات الدولية والإقليمية التي تسعى إلى وقف الحرب المدمّرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وحتى هذه اللحظة لا تبدو أي مبادرة واعدة بفعل حقيقي. حتى منبر جدّة التفاوضي، صاحب الحظ الأكبر، لم يصل إلى نقطة متقدّمة كما كان يتوقع منه قبل ثلاثة شهور، ولم تتقدّم المبادرة الأميركية السعودية كثيراً. أما مبادرات دول الهيئة الحكومية للتنمية (الإيغاد)، ودول جوار السودان، فما زالت تراوح مكانها، وإن كانت مبادرة دول جوار السودان أمامها فرصة كبيرة لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى النازحين، كما يمكنها التخفيف عنهم بتسهيل عمليات الدخول إلى أراضيها والإقامة فيها.
مع زيادة تعقد الأوضاع على الأرض، واتساع رقعة المعارك في غرب البلاد، ورصد جرائم حربٍ ارتكبتها قوات الدعم السريع والمليشيات القبلية المتحالفة معها، طرحت الخرطوم مبادرة جديدة عبر نائب رئيس مجلس السيادة القائد مالك عقار، لا تختلف كثيراً عن غيرها من المبادرات الدولية والإقليمية، حتى أن المرء ليتساءل عن الداعي لها. ولماذا لم تقبل الخرطوم بأيٍّ من المبادرات قريبة المحتوى من مبادرتها؟ لكن قراءة متأنّية لمبادرة الخرطوم توضح أن نقطة “تشكيل حكومة تصريف أعمال” ربما تكون النقطة الرئيسية التي دفعت الخرطوم إلى طرح هذه المبادرة.
بحسب مالك عقار، هناك حاجة لتشكيل حكومة تسيّر دولاب العمل في البلاد! رغم وجود حكومة مكلفة منذ فضّ الجيش الشراكة مع قوى الحرية والتغيير واعتقال رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021. ولسببٍ ما، ترى الخرطوم اليوم أن هذه الحكومة غير كافية، وترغب في تكليف أخرى! وهو ما يطرح احتمالين أمام المحلل، إما رغبة الخرطوم في تعزيز موقفها السياسي عبر تكليف حكومة مقرّبة من بعض الكيانات السياسية، أو تعزيز موقفها العسكري بتكليف حكومة ذات طابع عسكري.
تأتي هذه المبادرة مع تضارب التصريحات بشأن مصير ملتقى 25 أغسطس الذي دعت إليه “الإيغاد” لحضور كل التيارات السياسية السودانية، حتى الحركة الإسلامية التي أسقطتها الثورة السودانية في إبريل/ نيسان 2019. وهو ما رفضته قوى الحرية والتغيير، كما تحفّظت على اقتراح الخرطوم تشكيل حكومة تصريف أعمال. وذهبت “الحرية والتغيير” إلى أن تشكيل هذه الحكومة قد يطيل أمد الحرب!
في المقابل، ترى قوى الحرية والتغيير (الفصيل المدني المعارض للحكم العسكري)، أن عملية وقف إطلاق النار والسلام لا يمكن فصلها عن العملية السياسية والتحوّل المدني الديمقراطي، وأن هذه العملية يجب أن تستثني الحركة الإسلامية السودانية، وأن تعمل على إبعاد الجيش عن السلطة السياسية والسيطرة على الاقتصاد. وكانت قوى الحرية والتغيير قد أجازت رؤيتها السياسية لوقف الحرب في اجتماع في القاهرة، أعقبته باجتماع في أديس أبابا مع القوى الموقعة على الاتفاق الإطاري، وتعمل على طرح هذه الرؤية على كل القوى السياسية السودانية لتحقيق توافق حولها.
لا تبدو قوى الحرية والتغيير قادرةً على إقناع بقية القوى السياسية برؤيتها، وتعجز عن فرضها على الطرفين المتقاتلين. وفي الوقت نفسه، لا يبدو أن من الممكن تجاوزها، فرغم ضعف تأثيره على مجريات الحرب، إلا أن تحالف الحرية والتغيير ما زال، على الأقل عند الفاعلين الدوليين، يمثل القوى المدنية الراغبة في التغيير.
تعدّد الرؤى بشأن كيفية إيقاف الحرب السودانية يجعل الأمل في الوصول إلى حل قريب ضعيفاً. فمع اختلاف المصالح تختلف الرؤى. ولا يبدو أن هناك ما يقدر على تحقيق توافقٍ بين الجيش و”الدعم السريع” والقوى السياسية والقوى الإقليمية والدولية إلا الوصول إلى نقطة الإنهاك، حيث لا يعود هناك طرفٌ مؤمنٌ بأن الحرب قد توصله إلى الحلّ الذي يريد. ويبدو هذا بعيداً عن تفكير قيادات الجيش و”الدعم السريع”، رغم التحذيرات الأممية والمحلية.