” يديعوت أحرونوت”: الفلسطينيون أبطلوا مفعول “السلام الاقتصادي”
مع بداية العام الجديد، فإن الإسرائيليين ما زالوا يجرون ما يقولون إنه “كشف حساب” بأحداث العام المنصرم، ويتحسبون لأحداث العام الجديد، خشية تفاقم تلك الأحداث، وإمكانية تطورها سلبا على الأمن الإسرائيلي.
ورغم ما يعتبرونه إنجازا تحقق في الشهور الماضية من خلال تقارب الحكومة الإسرائيلية مع السلطة الفلسطينية في رام الله، وتحالف القائمة العربية الموحدة “راعام” في الحكومة الإسرائيلية، وضخ المزيد من أموال المانحين، فإن كل هذا لم يمنع عودة الشرق الأوسط القديم إلى صورته القديمة.
وما زالت دوائر صناعة القرار الإسرائيلي تخيم عليها النيران المشتعلة في المدن الفلسطينية المحتلة، المسماة “مختلطة”، خلال هبة الأقصى الأخيرة، وهي اللد والنقب، فضلا عن الضفة الغربية التي أثبتت أنها قابلة للانفجار في كل لحظة، رغم التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والاحتلال، الذي ينفذ بدوره عمليات اعتقال وملاحقة على مدار الساعة.
المستشرق دورون ماتسا كتب في صحيفة يديعوت أحرونوت مقالا، جاء فيه أن “كثيرا من الأوساط السياسية في المنطقة أبدت اهتمامها مؤخرًا بالعديد من الظواهر التي تحدث في المنطقة الواقعة بين البحر المتوسط ونهر الأردن، سواء انتشار الجريمة بين فلسطينيي48، وغياب الحكم في التجمعات البدوية في النقب، وما حولها، والفوضى في الأراضي التابعة للسلطة الفلسطينية، خاصة مدينتي جنين والخليل، وتصاعد العمليات المسلحة ضد الإسرائيليين في الضفة الغربية وشرق القدس”.
وأضاف أنه “يصعب تحليل كل هذه الظواهر بمعزل عن غيرها، لأنه من الناحية الظاهرية تحدث هذه التطورات في مساحات جيو-استراتيجية أو اجتماعية متقاربة، مع أن بعض الأخطاء البصرية لدى بعض السياسيين في المنطقة، من الإسرائيليين والفلسطينيين والعرب تجعلهم يرونها تقع في مناطق مختلفة”.
وترى المحافل الإسرائيلية أن هناك قاسما مشتركا بين جميع هذه الأحداث يشير إلى عملية مهمة تجري في جميع أنحاء الشرق الأوسط، في العقد والنصف الماضيين، حيث تم تشكيل المنطقة من خلال نموذج يمكن تعريفه بأنه “النفعية الاقتصادية”، وأتت صياغتها الرسمية وفق نموذج الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الذي اعتبر أن الصراع القائم في المنطقة يمكن حله بالمنح المالية والمشاريع الاقتصادية، انطلاقا من خبرته التجارية، التي أراد تعميمها على الوقائع السياسية في المنطقة.
في الوقت ذاته، تعتبر إسرائيل أن واقع الشرق الأوسط اليوم، ومع بداية العام الجديد 2022، ما زال منسجما مع الروح التي تشكلت منذ عام 2010 في ظل انتفاضة “الربيع العربي”، التي مزقت النظام السياسي العربي القديم، لكنها سرعان ما شهدت سلسلة من الثورات المضادة التي تمت بدعم إسرائيلي لا تخطئه العين، ومن خلالها تم التركيز على الجوانب الاقتصادية للدول العربية بديلا عن الإصلاح السياسي، والسعي لتحقيق الاستقرار من خلال تعزيز نوعية الحياة، ومستوى المعيشة لأهل الشرق.
ويربط الإسرائيليون هذه التطورات وما تشهده العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية مؤخرا، وتعميم النموذج الاقتصادي النفعي الذي بات محورًا مركزيًا يتم عبره تحديد السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، بعيدا عن المعالجات السياسية، خرجت دعوات السلام الاقتصادي مع السلطة الفلسطينية، وظهر نموذج منصور عباس الذي ركز برنامجه الانتخابي على التحرك الهائل للتكامل الاقتصادي للجمهور العربي، فيما تحاول إسرائيل بصعوبة نقل النموذج الى غزة، حيث تسيطر حركة حماس.
تعتقد الدوائر الإسرائيلية أن العمل جارٍ لاستنساخ نموذج “المال مقابل الهدوء” مع حماس في قطاع غزة، وهو النموذج الاقتصادي النفعي الذي لم يؤت ثماره مع حماس بعد، التي تبدي تمسكا بمواقفها السياسية والوطنية في الصراع مع الاحتلال، الذي حظي باستقرار أمني نسبي في العقد الماضي سمح لاقتصاده بالنمو أكثر.
بجانب هذه العمليات الاقتصادية، شهدت إسرائيل اتجاهات معاكسة ذات سقف زجاجي، تمثل أهمها في الحرب الأخيرة على غزة في مايو، وشكلت عملية “حارس الأسوار” أول رد فعل فلسطيني عنيف على النموذج الاقتصادي الإسرائيلي، لأنها انطلقت لأغراض سياسية بحتة، تتعلق بالقدس والأقصى، رغم أنها تزامنت مع أزمة اقتصادية صاحبت وباء كورونا، وانتشار البطالة وشباب بلا مستقبل، ومعاناة اقتصادية، ما ساهم في إحداث ردود فعل معاكسة عبر ممارسات ميدانية مختلفة.