رأي

 يتعين على الغرب الاستعداد لحساب طال انتظاره

كتب تشاندران نير تقريراً في مجلة “ناشونال انتريست” الأميركية، جاء فيه:

سيشهد العالم قريبا نظاما دوليا متعدد الأقطاب. ومع تعامل العالم مع تداعيات هذا التحول في النظام، تتشكل أسس لحساب كبير. وهذا الحساب سيمثل تحديا للمعتقدات والهياكل السائدة منذ وقت طويل والتي حافظت على الهيمنة الغربية على العالم طوال مئات السنين الماضية، مما يكشف طابع استحقاق الغرب المتصور لقيادة النظام العالمي. وسوف تكون النتيجة النهائية هي إعادة مهمة لتقييم العلاقات الدولية كما نعرفها.

هذا الحساب الكبير سيكون على أساس خمسة اتجاهات رئيسية، ترغم الدول الغربية على المواجهة والتكيف مع مستقبل يتعين فيه مشاركة السلطة مع باقي الدول في عالم متعدد الأقطاب. وعدم الاعتراف بهذه الاتجاهات ، أو محاولة مقاومتها بشدة، يمكن أن يجعلها تشكل مخاطر جسيمة ليس فقط للغرب نفسه، بل أيضا للاستقرار العالمي.

وعلى أية حال فإنه يمكن تجنب الصراعات المستقبلية إذا أعتبرت هذه الفترة فرصة لبناء عالم أكثر إنصافا، وليست أزمة تهدد الامتيازات المفضلة والراسخة.

وسوف يعتمد تحقيق تحول سلس نحو التعددية القطبية ـ أو حدوث فترة من عدم الاستقرار والصراع المحتمل – إلى حد كبير على كيفية تعامل صانعي السياسات مع الاتجاهات الخمسة التالية:

يتمثل الاتجاه الأول في الكشف عن كيفية رواية التاريخ حتى الآن. فقد مارس الغرب طوال تاريخه الاستعماري التفسير الانتقائي لرواية الأحداث وتصوير نفسه بأنه أساس الحضارة الحديثة وأنه قوة ارشادية خيرة. لقد تغير ذلك الآن؛ فقد أدت تكنولوجيا المعلومات، مثل الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي إلى كسر احتكار المعلومات والتاريخ الذي كانت تهيمن عليه المؤسسات الغربية من شركات اعلامية وجامعات وخلافها. ونتيجة لذلك، بدأ الناس في جميع العالم يدركون أن التاريخ لم يعد قاصرا على التفسير الغربي.

أما الاتجاه الثاني فهو إعادة تقييم النظام الدولي ” القائم على أساس القواعد”. وقد لا يروق لصانعي السياسات في واشنطن سماع ذلك، ولكن المفهوم محل قدر كبير من السخرية في أنحاء العالم ، ويعتبر على نطاق واسع أداة يستخدمها الغرب للسيطرة على شؤون العالم والحفاظ على الهيمنة، حيث يزداد الاستياء إزاء قيام الدول الغربية بانتهاك متكرر لقواعدها.

والاتجاه الثالث هو كشف الغطاء عن ” حفظ السلام” الذي يقوم به الغرب. فعلى الرغم من تصوير الولايات المتحدة نفسها أنها الضامن للأمن العالمي، يرى الكثير من دول العالم الآن أن الولايات المتحدة وأوروبا بدرجة أقل تستفيدان من الحرب أكثر من اهتمامهما بتعزيز سلام حقيقي.

وأدركت باقي دول العالم أنه لا يمكن الثقة بالغرب فقط لقيادة جهود السلام العالمية ، خاصة أن قدرا كبير من اقتصادياته تعتمد على تحقيق مكاسب من الصراعات. وفي ضوء ذلك، حدث تغير إيجابي ، حيث توسطت الصين مؤخرا لتحقيق اتفاق سلام بين المملكة العربية السعودية وإيران على سبيل المثال.

أما الاتجاه الرابع فهو ما يحدث الآن من إنهاء سيطرة المؤسسات المالية الغربية الكبرى. فليس سرا أن الغرب يستغل بشكل كبير قوته المالية لتحقيق مكاسب جيوسياسية وأغراض أخرى- ويتحدث صناع السياسات والخبراء صراحة عن استخدام المال كسلاح وفرض العقوبات على الدول التي لا تنصاع للنوايا الغربية.

وبالمثل فإن قدرة الولايات المتحدة وحلفائها على تجميد وحتى مصادرة احتياطيات الدول ذات السيادة- مثل افغانستان وروسيا وفنزويلا- أصابت العالم بصدمة. وتجرى جهود الآن للحد من المزايا الكبيرة التي تتمتع بها الولايات المتحدة عن طريق عملتها.

والاتجاه الخامس والأخير هو أن هناك انهيارا ملحوظا لمصداقية الإعلام الغربي. ويأتي هذا في مرحلة مهمة حيث أدت العيوب الإعلامية المتكررة في السنوات القليلة الماضية إلى زيادة الوعي العالمي بدور الإعلام الغربي في إطالة أمد مظاهر النظام العالمي الحالية التي يفضلها الغرب وعلى حساب الدول الأخرى في الغالب.

وعلى سبيل المثال فإن الهجوم المستمر على الصين في الصحف الغربية تسبب في تصور غير إيجابي لبكين بأنها تمثل تهديدا للغربيين والعالم كله. وبالمثل فإن التغطية الأحادية في الغالب للحرب الأوكرانية تتجاهل دائما التعقيدات الجيوسياسية المحلية والاقليمية في العلاقات الروسية الأوكرانية القائمة منذ وقت طويل وتوسع حلف شمال الأطلسي( ناتو) في أوروبا.

ومن هنا يتعين على الحكومات الغربية، التي تعمل في غرفة صدى من الأفكار، التواصل مع أصدقائها في أنحاء العالم وإدراك ما هو واضح للجميع ما عدا لها هي فقط، وهو أن العالم لا يشبه ما كان عليه في عهد ما بعد الحرب الباردة. لقد انتهت السبل القديمة ، وببساطة لا يمتلك الغرب القوة السياسية والمالية ، ناهيك عن الشرعية الدولية التي كان يتمتع بها في الماضي.

كما ينبغي على الدول الغربية التكيف مع هذه الظروف الدولية المتغيرة بدلا من الإصرار بعناد على مواصلة ما كانت عليه. وعدم تحقيق ذلك سيجعل العالم مكانا أكثر خطورة وسيزيد من تقويض مصداقية الغرب ونفوذه.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن “رأي سياسي” وإنما تعبر عن رأي صاحبها حصرًا.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى