وعود بمناخات إيجابية تلي إجراء الانتخابات النيابية
كتب ابراهيم بيروم في “النهار”:
أيّ وعود تنطوي عليها مرحلة ما بعد انجاز الاستحقاق النيابي، وهل هناك مساحة للأمل والانفراج؟
هذا السؤال يطرحه كُثر، ولكن الذين يلحّون على إثارته هم اولئك الذين يحدوهم الامل بان تكون الانتخابات الموعودة مفتاحا لمرحلة مختلفة يقلّ فيها منسوب الضجيج المتعالي وتتقلص مساحة التحديات المتبادلة بين الاطراف، خصوصا ان بعض تلك الاطراف يصوّر صناديق الاقتراع على انها منصة للغلبة على الآخر وتصفية الحساب معه بمفعول رجعي. منذ ان خرج الناس الى الشارع في ليل 17 تشرين الأول 2019 وقعت اكثرية اللبنانيين تحت وطأة عملية صراع ارادات اختلط فيها حابل العداوات بنابل الرغبات المقموعة. وبمعنى آخر جمح كثر بأمانيهم واحلامهم بقلب المعادلات واندفع آخرون معتقدين ان لحظة تصفية الحساب مع الخصوم قد أتت ساعتها. فكانت تلك الاعوام سنوات من “الخراب” على كل المستويات، ولاسيما منها المستوى المالي والاقتصادي والاداري، خصوصا بعد “السقطة الكبرى” للقطاع المصرفي درّة التاج في الاقتصاد اللبناني، وبعد عجز الدولة المتهالكة عبر حكومات ثلاث متوالية (سعد الحريري، حسان دياب ونجيب ميقاتي) عن اجتراح حلول وتسويات، ما فتح باب التكهن حول احتمال زوال “الكيان” وانتهاء الوظيفة التي أُنشىء من اجلها.
ومع دنوّ موعد الانتخابات ارتفع ايضا منسوب التوتر والاحتقان، وعلت صيحات الوعد والوعيد باقتراب يوم الحساب من خلال صناديق الاقتراع ليتحول المشهد برمته من استحقاق ديموقراطي يمارس الجميع عبره قناعاتهم ويترجمون رؤاهم في التحسين والتطوير الى منازلة ومبارزة كبرى تصل الى حد اعتبار كل طرف فيها انها “أمّ المعارك”، وخلالها يُسمع بوضوح “صليل” سيوف الكلام والتصريحات ذات “المذاق العنتري”.
وبناء عليه، يصبح مشروعا وملحّا ان يُطرح السؤال عن اي مشهد ستنجلي عنه غبار المعركة المحتدمة حاليا، خصوصا بعد ان تنطوي صفحة التحديات والتهديدات؟ وهل ثمة استطرادا امل بتهدئة المناخات الملتهبة وتبريد الرؤوس الحامية والمضي تاليا نحو ولادة تسويات تفتح ابواب المعالجات والحلول التي تبدو موصدة؟
عضو تكتل “لبنان القوي” والقيادي المخضرم في “التيار الوطني الحر” النائب آلان عون لا يتردد في تصريح لـ “النهار” في إشهار توقّعه بان يعود “عقل الرحمن الى تلك الرؤوس الحامية التي لا نخطىء رؤيتها عند كل الاطراف، وذلك بقطع النظر عن النتائج التي ستفرزها صناديق الاقتراع صبيحة السادس عشر من أيار المقبل”.
واذ يتوقع عون ان تزداد خلال الايام والاسابيع المقبلة وتيرة الصخب والضوضاء والاستفزازات كلما دنت ساعة فتح صناديق الاقتراع على اعتبار ان القوى المعنية تتعامل مع هذه المحطة على انها فرصتها لتحسين ظروفها واوراقها، لكنه يعتقد ان ساعة ستأتي يعود فيها الجميع من “مهرجان الاستفزاز” الى رشدهم ويجدون انفسهم محكومين بالعودة الى البحث عن نسج التفاهمات، خصوصا اذا ما انتهت فترة “السماح”، اي انصرام رهان البعض على امكان تبديل المعادلات، واقتناعه بانه لا يمكن لأحد ان يأخذ البلد وحده، او ان يقبض على زمام الامور فيه منفردا، وانه صار لزاما عليه ان يجنح الى الانخراط في مناخات اخرى.
وبمعنى اوضح، يضيف عون، ان الانتخابات ستطوي الى حد كبير ما حفلت به المرحلة التي سبقتها، والتي حفلت بالشروخ والتصدعات والانقسامات وبلغت شفير الصراعات، وان تفتح حكماً صفحة جديدة، خصوصا مع تكوّن مناخات اقليمية واعدة من شأنها ان تنعكس ايجابا على الواقع اللبناني المضطرب، سواء منها الانفتاح العربي الذي برزت تباشيره اخيرا، وسواء منها ايضا امكان انجاز التفاهم حول الملف النووي الايراني.
وعليه يكمل عون: “بعد الانتخابات ستنجلي الامور على حقيقتها وسيتضح للذين يتصرفون على اساس ان الامر صار بيدهم وحدهم واقع حالهم وحقيقة حجمهم التمثيلي، وبمعنى اكثر وضوحا سنكون امام فرصة مثلى لأنْ:
– يظهر كل على حقيقة حجمه ومساحة حضوره وتأثيره.
– تنتهي عمليات التشكيك بالآخرين.
– ستبرد الاجواء الساخنة حتما.
– تبدأ مرحلة اعادة تكوين السلطات من خلال الرئاسات الثلاث.
– تنفتح الابواب على مصاريعها امام الشروع في تنفيذ خطط التعافي الاقتصادي والمالي التي أُعِدت خلال الفترة الماضية.
– سيكون انجاز الانتخابات بطريقة حضارية لا يرقى اليها الشك بمثابة عامل جذب للخارج الواعد لان يمضي قدما في تنفيذ وعوده لنا بدعم لبنان.
– ومن البديهي ايضا ان اجراء الانتخابات في موعدها سيكون ايضا من العوامل الحاسمة التي ستفتح الابواب امام اعادة ترميم علاقات لبنان بمحيطه العربي”.
ويخلص عون: “ولأننا ننتظر تحقيق كل هذه الوعود المنتظرة اذا ما انجزنا الاستحقاق وفق المقاييس الديموقراطية الشفافة، فاننا نراهن بكل جدية على اجراء الانتخابات ونعمل بكل قوة لانجازها خلافا لكل ما يشاع من اننا لا نريدها”.
من جهته، يكشف عضو كتلة “التنمية والتحرير” النائب قاسم هاشم في اتصال مع “النهار” انه يترقب منذ الآن مشهدا سياسيا مختلفا عندما تُغلق اقلام الاقتراع مساء يوم 15 ايار، ويفصح عن رؤيته تلك فيقول: “في مواسم الانتخابات ايام الرخاء كانت مساحات التحريض والشحن والتحديات تتسع عادة فنكون امام مهرجان صخب وضجيج، فكيف ونحن على هذه الحال منذ 17 تشرين الأول من الانقسام والتنابذ وانفجار الرغبات في ان يلغي بعضنا البعض الآخر الذي يسعى الى شيطنته واصدار حكم الاعدام السياسي بحقه”.
ويضيف: “اعتقد انه في الاعوام الثلاثة الماضية ركب الجامحون باحلامهم اعلى ما في خيلهم ومارسوا اقصى انواع الترهيب والترغيب واستدعى بعضهم مخزونه الكلامي الموروث عن سني الحرب الاهلية، واطلق سيلاً من الوعود والتعهدات امام جمهوره وامام من يعنيهم الامر في الداخل والخارج، لكن لكل ذلك التحريض والتوتير نهاية ستنجلي يوم صدور نتائج الفرز حيث يظهر الجميع على حجمهم الحقيقي وليس المنفوخ او المدَّعى”.
ويستطرد هاشم: “نحن من المتلهفين لاجراء الانتخابات والمنتظرين على أحرّ من الجمر لنتائجها، وهذا ليس من باب التحدي، ولكن لاننا نعتقد ان البلاد ستكون امام واقع جديد تعود فيه الامور الى مجاريها الطبيعية وتنفتح الابواب الموصدة امام معالجات وتسويات لكل الملفات العالقة”. ويشير الى “ان بعض الخارج الذي ساهم في تكوين الاجواء المحتدمة وشجّع البعض على المضي نحو المغامرات وتضخيم الرهانات، سيكون له اداء مغاير او على الاقل سيعيد النظر بكل حساباته. وفي المقابل سينهي بعض هذا الخارج سياسة ادارة الظهر تجاه لبنان ما يشجع على انضاج الحلول لكل المعضلات. ونحن بدأنا نتلمس نذر هذه التوجهات الجديدة والمناخات المريحة في اعلان البعض عن العودة الى الساحة التي كان هجرها سابقا، واعداً بانهاء زمن القطيعة. من كل هذا نبدي هذا التفاؤل بمرحلة ما بعد الانتخابات”.