رأي

«وعد ماكرون» و«وعد بلفور»

كتب محمد خلفان الصوافي, في البيان:

اعتبر نفسي واحداً من الذين يؤمنون بفكرة قيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية.. فهناك تجارب أثبتت صحة القاعدة التاريخية التي تقول لا يضيع حق وراءه مطالب، مع وجود حسن تقدير الموقف من خلال إدراك قادة فلسطين أن اللحظة باتت مواتية للحصول على الحق المنتظر.
العالم يعيش حالياً على وقع استعداد بعض دول العالم تقدر بـ14 دولة لإعلان اعترافها بفلسطين في شهر سبتمبر القادم خلال الدورة المقبلة للجمعية العامة للأمم المتحدة.

وبذلك من الممكن أن يصل عدد الدول التي ستعترف بدولة فلسطين إلى 148 دولة من أصل (193) عدد أعضاء الأمم المتحدة، وذلك بعد أن وعد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الرأي العام العالمي بأن بلاده ستعترف بدولة فلسطين في سبتمبر المقبل.

قد لا يتحقق وعد ماكرون مباشرة وخاصة أن هناك بعض الدول تستخدم الاعتراف كأسلوب تهديد وليس قراراً سياسياً، ولكن الرمزية التي يحملها هذا الوعد لصالح الحق الفلسطيني مهم جداً وهو أن الدعم الدولي غير المشروط لإسرائيل انتهى.
هذا الوعد الفرنسي الجميل والذي لاقى تفاعلاً كبيراً من المجتمع الدولي ذكرنا بوعد وزير الخارجية البريطاني المشؤوم وعد بلفور في مايو 1917 بإعلان منح إسرائيل وطناً قومياً في فلسطين وتسبب هذا الوعد في حدوث أكبر كوارث إنسانية ما زال العالم يعاني من تداعياتها رغم كل المحاولات الدولية لإيجاد نهاية لها.
لذا، فإن تفاعل رئيس الحكومة البريطانية ستارمر مع الوعد الفرنسي وإعلانه هو الآخر بالاعتراف بدولة فلسطين يمكن أن يصب في خانة محاولة تصحيح لخطأ تاريخي ارتكبته بلاده عندما كانت فلسطين تحت الانتداب البريطاني.

في تقديري جميع البشر يملكون منظاراً يراقبون من خلاله سير أحداث العالم، ومنذ أكتوبر 2023 ومأساة شعب غزة التي ولدت من قرار غير مسؤول لقادة حماس والمؤشرات تبين أن ما تفعله حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من سياسة التجويع والقتل الممنهج سيؤدي بدول العالم لأن تتخذ قرارات مختلفة عن النمط المعتاد، وربما قرار الاعتراف لدولة بحجم فرنسا سيكون له تأثير على العديد من دول العالم.
فالحق الفلسطيني كسب الكثير من المؤيدين في العالم لأن القضية في الأساس عادلة، وخساراتها المتكررة فقط لأن من يدافع عنها من محاميه لا يجيدون تقدير الظرف العالمي.

فهم السياق الإقليمي والدولي هو ما يفرق بين نجاح موقف سياسي ما وبين خسارة موقف آخر، وربما تغير موقف الزعيم الكردي، عبدالله أوجلان، الذي يعتبر من الذين كانوا يؤمنون بقيام الدولة الكردية من خلال حمل السلاح ومطالبته مؤخراً لرفاقه من قادة حزب العمال الكردستاني في الشهر الماضي بإلقاء السلاح وطي صفحة القتال عبر عن فهمه لهذا السياق الإقليمي والدولي وأن لكل زمن سلاحه المناسب، هذا ما كان ينقص قادة فلسطين خلال مسيرة الكفاح.
في السياسة يُقال إن نجاح حدث معين أو فشله مرتبط بالسياق الإقليمي والدولي وقراءة طبيعة السياق تعتمد على تفسير وإدراك صانع القرار في كل دولة. لا يتشكل قرار سياسي في النظام الدولي من فراغ بل هناك أكثر من حدث يتفاعل مع بعض وفي أكثر من مكان في وقت واحد.
ولو أخضعنا ما يحدث في إقليمنا من تطورات وكذلك في بقاع مختلفة من العالم للمنظار السياسي نجد أن إمكانية الاعتراف بدولة فلسطين حالياً واردة لسببين اثنين.

السبب الأول: أن أحد مبادئ الحروب الإسرائيلية الذي وضعها بن غوريون يجب أن تكون قصيرة المدة من أجل تقليص الضرر المحتمل على البنية الأساسية والشعب، ولكن يبدو الضرر هذه المرة تعدى مخاوف بن غوريون إلى فقدان مكانة إسرائيل في الدلال الغربي.

السبب الثاني: يتعلق بسعي بنيامين نتنياهو بتوسعة الحرب دون الالتفات إلى السياق الإقليمي والدولي، ففي الوقت الذي تسعى فيه جميع دول العالم إلى إيقاف الحرب في المنطقة يسير نتنياهو عكس التيار يعمل من خلاله على توسعة الحرب لتشمل دولاً أخرى ما يهدد الاستقرار والأمن الدوليين.
مما لا شك فيه أن وعد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بالاعتراف بدولة فلسطين فاجأ إسرائيل والعالم، وهذا الوعد لا يعني ظهور الدولة الفلسطينية ولكن القرار يعني أن السياق الدولي تغير ضد إسرائيل ولم يعد كما كان.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى