وسط نقص المعروض أوروبيا.. سوق النفط تتحسّب لاستمرار التوتر بالبحر الأحمر
يستعد سوق النفط لأسابيع إضافية من تعطيل الشحن البحري جنوب البحر الأحمر، حيث تهاجم جماعة الحوثي اليمنية منذ نوفمبر/تشرين الأول الماضي سفنا تجارية في ارتداد للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، حسبما ذكرت وكالة بلومبيرغ.
تجنب مناطق الخطر
ويكشف تأجير لناقلات النفط والوقود، والذي يتم ترتيبه لبعض السفن لمدة تصل إلى شهر مقدما، عن أعداد متزايدة من السفن التي يتم استئجارها لتمر من مسارات تتجنب منطقة الخطر، وفقا لأصحاب السفن والوسطاء والتجار.
وأدت الضربات الجوية التي شنتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في اليمن في 12 يناير/كانون الثاني الجاري إلى زيادة الشعور بالفوضى لدى السفن في المنطقة، خاصة بعد أن حذرت قوات بحرية غربية السفن في وقت لاحق للابتعاد عن جنوبي البحر الأحمر، ومع تعهد الحوثيين بالرد على الأساطيل التجارية لكلا البلدين إلى جانب السفن الإسرائيلية، اختار العديد من المالكين الابتعاد عن المسار الذي يمر من خلاله عادة نحو 12% من التجارة العالمية المنقولة بحرا.
ويقول الحوثيون إنهم يستهدفون فقط السفن الإسرائيلية المارة في البحر الأحمر أو تلك المتجهة إلى إسرائيل، لكن الولايات المتحدة دعت إلى إنشاء تحالف بحرب سمّته “حارس الازدهار” لحماية “التجارة عبر البحر الأحمر”، لكنها لجأت لاحقا إلى شن هجمات مباشرة على الأهداف اليمنية.
ونقلت “بلومبيرغ” عن ألكسندر سافريس الرئيس التنفيذي لشركة يوروناف نيفادا، التي تصل قدرتها على النقل إلى أكثر من 50 مليون برميل من النفط، أن المزيد من الشركات المالكة للسفن تتجنب المنطقة، الأمر الذي توقع أن تمتد عواقبه إلى عدة أشهر، بعد أن بدا كأنه شيء يمكن حله في غضون أسابيع.
وبحسب الوكالة، فإن الناقلات التي يتم استئجارها عليها أن تبحر إلى آسيا بدلا من أوروبا، وهو ما أدى إلى ارتفاع كبير في أرباحها، وفي الوقت نفسه، تم حجز العديد من شحنات النفط الخام العراقي على متن ناقلات ستقطع آلاف الأميال حول أفريقيا.
ارتفاع الأرباح
ونقلت بلومبيرغ عن مالك الناقلة الدانماركية “تورم” في بيان، قوله إن ثمة زيادة في الرحلات إلى آسيا لنقل الوقود المكرر. وساعد ذلك في رفع أرباح ناقلات المنتجات النفطية الكبيرة نسبيا، من 35 ألف دولار يوميا إلى 60 ألف دولار يوميا خلال الأسبوع الماضي.
وبحسب مصادر في السوق، ذكرت الوكالة أنه كان ثمة حجم كبير من شحنات النفط الخام العراقي التي تم حجزها للإبحار من الخليج العربي إلى أوروبا حول أفريقيا. ونقلت عن مصدر قوله إن البعض يقومون بشكل مشترك بتحميل شحنات أصغر على سفن أكبر لجعل الرحلة أكثر فعالية من حيث الكلفة.
ورغم أن تدفقات النفط من الخليج إلى أوروبا أقل من التدفقات إلى آسيا، إلا أن الشحنات تكشف عن مواقف أصحابها تجاه عبور البحر الأحمر، وفق الوكالة.
نقص في أوروبا
في السياق، نقلت وكالة رويترز عن بيانات لمجموعة بورصات لندن، وتجار ومحللين، قولهم إن سوق خام برنت وبعض أسواق النفط في أوروبا وأفريقيا تشهد نقصا يعود، في جزء منه، إلى تأخر الشحنات بعد تجنب بعض سفن الشحن للسفر عبر البحر الأحمر.
وتزامن التعطيل مع عوامل أخرى منها انقطاعات في الإنتاج وزيادة الطلب في الصين لتشتد المنافسة على إمدادات الخام التي لا تحتاج إلى عبور قناة السويس، ويقول محللون إن الأزمة أوضح في الأسواق الأوروبية، وفق الوكالة.
وفي علامة على نقص الإمدادات، سجل هيكل سوق العقود الآجلة لخام برنت القياسي أعلى مستوياته في شهرين أمس، مع ابتعاد الناقلات عن البحر الأحمر بعد ضربات جوية شنتها الولايات المتحدة وبريطانيا على أهداف في اليمن.
عقود الخامات
وقال كبير محللي أسواق النفط الخام في كبلر، فيكتور كاتونا، إن عقود الآجلة لخام برنت هي الأكثر تأثرا باضطرابات البحر الأحمر وقناة السويس، بالتالي فإن شركات التكرير الأوروبية هي أكثر من يعاني في الأسواق الفعلية.
وارتفعت علاوة عقد خام برنت لأجل شهر مقارنة بالعقد أجل 6 أشهر إلى ما يصل إلى 2.15 دولار للبرميل أمس، وهو أعلى مستوى منذ أوائل نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وهو ما يشير إلى تراجع المعروض.
واتخذت عقود الخام الأميركي منحى مشابها لعقود برنت وإن كان أقل درجة، وهو ما يشير إلى تراجع قريب في المعروض.
وفي سوق خام بحر الشمال (الأوروبي)، وصل الفارق بين عقود خام فورتيز وخام برنت القياسي إلى أعلى مستوياته منذ أواخر نوفمبر/تشرين الثاني، كما ارتفعت أسعار بعض درجات الخام الأخرى التي تعتبر بديلا محليا لخام الشرق الأوسط.
وبدأ سعر خام يوهان سفيردروب النرويجي -وهو بديل لخام الشرق الأوسط المتوسط الكبريت- يقفز في ديسمبر/كانون الأول، وواصل الارتفاع في يناير/كانون الثاني، إذ تم تداوله بعلاوة 2.80 دولار فوق خام برنت المؤرخ، ارتفاعا من خصم يزيد على دولارين قبل اضطرابات البحر الأحمر.
ونقلت رويترز عن مصادر تجارية، قولها إن ارتفاع الطلب على خام يوهان سفيردروب قد يكون مرتبطا جزئيا على الأقل بالمخاوف بشأن تأخير وصول خامات الشرق الأوسط إلى أوروبا.
اضطرابات البحر الأحمر
وتراجعت كميات الخام المتجهة من الشرق الأوسط إلى أوروبا، إذ تظهر بيانات كبلر أن حجم الخام المتجه إلى أوروبا من الشرق الأوسط انخفض إلى النصف تقريبا مسجلا نحو 570 ألف برميل يوميا في ديسمبر/كانون الأول من 1.07 مليون برميل يوميا في أكتوبر/تشرين الأول.
ونقلت الوكالة عن أحد التجار، قوله إن مشاكل البحر الأحمر تسبب تأخيرات؛ لذا تحتاج شركات التكرير إلى تغطية احتياجاتها من الأسواق المحلية، وأضاف آخر أن السوق تعاني من نقص بسبب خسارة إمدادات الخليج.
وفي آسيا، انتعش متوسط العلاوات الفورية لخامات النفط القياسية الشرق الأوسط، دبي وعُمان ومربان، مدعوما بصورة جزئية بمخاوف انقطاع الإمدادات، في حين لم تظهر فروق أسعار الخام الأميركي أي تأثير بعد، ويتم تداولها في نطاق هذه السنة.
وقفز الخام الأذربيجاني الخفيف، الذي يتم إنتاجه في بحر قزوين ويباع إلى أوروبا والولايات المتحدة وآسيا، إلى أكثر من 6 دولارات فوق خام برنت، وهو ما سيكون الأعلى منذ سبتمبر/أيلول، وفقا بيانات مجموعة بورصات لندن.
وأدت تطورات أخرى إلى نقص إمدادات أوروبا، من بينها تراجع الإمدادات الليبية بسبب احتجاجات، وهو أول تعطل من نوعه منذ شهور، فضلا عن انخفاض الصادرات النيجيرية.
وانخفضت إمدادات الخام من نيجيريا بعدما بدأت البلاد تشغيل مصفاة دانغوتي التي استحوذت على بعض الشحنات.
وقال تاجر إن الخام الأنغولي الذي يتجه أيضا إلى أوروبا من دون حاجة إلى المرور عبر قناة السويس يشهد طلبا متزايدا من الصين والهند بسبب مشكلات تتعلق بالخامين الإيراني والروسي.
وتعثرت تجارة النفط الصينية مع إيران بسبب وقف طهران للشحنات ومطالبتها بأسعار أعلى، في حين انخفضت واردات الهند من الخام الروسي بسبب تحديات العملة، رغم أن الهند تقول إن الانخفاض يرجع إلى عدم جاذبية الأسعار.