وساطةٌ إسرائيليّةٌ ودعوة لجنراليّ الصّراع السوداني لاجتماع مُصالحة في تل أبيب؟
كتبت صحيفة “رأي اليوم” مقالاً جاء فيه :
الدّعوة التي وجّهها إيلي كوهين وزير الخارجيّة الإسرائيلي لطرفيّ “حرب الجنرالات” في السودان الفريق أوّل عبد الفتاح البرهان قائد الجيش و”الفريق أوّل” محمد حمدان دقلو (حميدتي) زعيم ميليشيا قوّات الدعم السريع، للاجتماع في القدس المحتلّة في إطار وساطة إسرائيليّة لوقف إطلاق النار، هذه الدّعوة تُمزّق الأقنعة عن عمالة الطّرفين لأمريكا ودولة الاحتِلال، وانخِراطهما في مشروعها العُنصري الاستِعماري التوسّعي، وعدائهما السّافر لكُل شيء اسمه عربي أو إسلامي.
من غير المُمكن أن يتقدّم كوهين بمِثل هذه الدّعوة، والوساطة التي ستتم في إطارها، لولا “حميميّة”، واستراتيجيّة العلاقات، وعُمقها، بين حُكومته وبينهما، فهذه خطوةٌ غير مسبوقة في التّاريخ، لم نتصوّر أنّنا في يومٍ من الأيّام سنُصدَم بها وتفاصيلها، ومن جِنرالين يحكمان ويدعيان تمثيل الشعب السوداني الذي يُعتبر من أكثر الشّعوب العربيّة والإسلاميّة وطنيّة، ومُعاداة للعدوّ الإسرائيلي واحتِلاله للمقدّسات والأراضي الفِلسطينيّة المحتلّة وانتِصارًا للحق.
إنّهما، أيّ البرهان وحميدتي، كانا وما زالا، جُزءًا من المُؤامرة الأمريكيّة الإسرائيليّة التي من أبرز أهدافها تفتيت الدّول العربيّة وعلى رأسها السودان، ولا نستغرب أن المجازر التي ارتكباها في دارفور ربّما كانت مدروسةً، وبتخطيطٍ أمريكيّ إسرائيليّ لإضعاف السودان وتقسيمه إلى عدّة دول، ومسح هُويّته الإسلاميّة والعربيّة، وإرثه الجِهادي العريق في دعم المُقاومة الفِلسطينيّة وفتْح أراضي السودان، وخاصّةً ميناء بور سودان لتهريب السّلاح إليها، والأهم من ذلك تدمير جيشه الوطني، وتشويه صُورته، تمامًا مثلما حدث في العِراق.
تتجسّد العمالة في أسوأ صُورها بتصريحٍ أدلى به يوسف عزّت المُستشار السياسي لحميدتي لقناة “كان” الإسرائيليّة يقول فيه “أقول للشّعب الإسرائيلي وحُكومته أن ما تتعرّض له الخرطوم، وقوّات “الدعم السريع”، هو هُجومٌ يشنّه الجيش، استغلّته العصابة الإسلاميّة الإرهابيّة”، ويُضيف “ما يتعرّض له السودان شِبه بما تعرّضت له إسرائيل آلاف المرّات من المجموعات الإرهابيّة مِثل “حماس” والمُنظّمات الأُخرى التي يعرفها الشعب الإسرائيلي جيّدًا”، والأكثر إيلامًا من كُل ذلك إزالة الجِنرال حميدتي كلمة “القدس” من شِعارها وعداء هذا المُستشار للشّعب الفِلسطيني الذي لم يُسيء له أو أيّ شقيقٍ سودانيٍّ آخَر.
نعترف أننا في هذه الصّحيفة “رأي اليوم”، وقبلها في صُحف أخرى رأسنا تحريرها، كانت لدينا شُكوك كبيرة في أداء الجيش السوداني الذي كان يتزعّمه الفريق البرهان ويتّخذ من حميدتي وقوّات الجنجاويد التي أسّسها وتزعّمها، أداة لتنفيذ المجازر ضدّ أشقّاء سودانيين مُسلمين، والمُبالغة الإعلاميّة والسياسيّة الغربيّة المُريبة الرّامية إلى تضخيمه، وها هي الأيّام تكشف لنا الدّور الأمريكي الإسرائيلي المُزدوج الذي بِتنا على ثقةٍ بأنّه كان يدعم في الخفاء هذه المجازر، وبالتّعاون مع دولة تشاد التي سارعت، وفي توقيتٍ مُتزامنٍ مع تولّي حميدتي والبرهان السّلطة في الخرطوم، بفتحِ سفارةٍ لها في تل أبيب.
نُوجّه اللّوم للعديد من الحُكومات العربيّة لصمتها المُريب، في فهم تفاصيل هذا المُخطّط، والتصدّي له وإجهاضه مُبكّرًا، ناهيك عن تورّط بعضها في دعمه، ونَخُصّ بالذّات الشّقيقة مِصر، التي يُعتبر السودان فناءها الجنوبي الاستراتيجي، وخطّ المُواجهة الأوّل في الدّفاع عن أمنها المائي، فالشّقيقة الكُبرى مِصر، “تقوقعت” داخليًّا، وانحسر اهتِمامها في الوطن العربيّ، ولم تُعطِ القارّة الإفريقيّة ما تستحقّه من الاهتِمام لعُقود، مُعتقدةً أن اتّفاقات كامب ديفيد مع دولة الاحتِلال تُحقّق لها الأمن والاستِقرار والرّخاء وبِما يُغنيها عن الجميع.
الشّعوب العربيّة والإسلاميّة التي هزمت أمريكا في أفغانستان والعراق وسورية، ودولة الاحتلال الإسرائيلي في لبنان وغزّة، ستَهزِم هذا المُخطّط الفتنوي الأمريكي الإسرائيلي المُشترك في السودان، فالشعب السوداني الأصيل صاحب الإرث العربي والإسلامي والحضاري الذي يمتدّ لقُرون سيسير على النّهج نفسه، وسيتصدّى حتمًا لهذه المُؤامرة، ويهزمها، بعد أن اتّضحت أهدافها الشيطانيّة في تقسيم بلاده، وإخضاعها للهيمنة الإسرائيليّة، أُسْوَةً بشقيقه السوري.
الثّنائي حميدتي والبرهان سيُهزَم، والشعب السوداني سينتصر، فزمن الهيمنة الأمريكيّة انتهى، وزمن التفوّق العسكري الإسرائيلي يَلفُظ أنفاسه الأخيرة، والنّصر صبْرُ ساعة.