رأي

“وزارة الحرب” دلالة على نكوص ترمب عن العالم الحديث نحو أمجاد الماضي

تكشف إعادة تسمية الرئيس الأميركي الأخيرة عن جهل بطبيعة عمل “البنتاغون”

كتب أندرو فاينبيرغ, في اندبندنت عربية:

قرار ترمب بإعادة تسمية وزارة الدفاع إلى “وزارة الحرب” يعكس نزعة رجعية نحو القوة العسكرية الصلبة، متجاهلاً تطورات العالم الحديث والتحالفات الدولية، مما يثير قلقاً من تراجع الدور الأميركي العالمي لمصلحة قوى صاعدة كالصين وروسيا.

من كان يتصور أن هاري ترومان كان من أنصار تيار “اليقظة” إلى هذا الحد؟

وفقاً للرئيس دونالد ترمب، فإن الرجل الـ33 الذي أدى اليمين الدستورية للرئاسة الأميركية – وهو الشخص نفسه الذي أمر بالاستخدام الوحيد للأسلحة الذرية ضد المدنيين في زمن الحرب – وقع على تشريع لإنشاء وزارة الدفاع عام 1947، ليس رغبة في تحسين الاستعداد العسكري للبلاد، بل لما سماه ترمب “الصواب السياسي”.

وفي كلمة ألقاها في المكتب البيضاوي إلى جانب وزير الدفاع بيت هيغسيث ورئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال دان كين، استشهد ترمب بتاريخ انتصارات البلاد في الحربين العالميتين قبل أن تفرض حقائق ما بعد الحرب العالمية الثانية تغييراً في الموقف – وتغييراً في الاسم – لما كان يعرف آنذاك باسم “وزارة الحرب”.

ومما قاله ترمب “لقد انتصرنا في الحرب العالمية الأولى. وانتصرنا في الحرب العالمية الثانية. وقد انتصرنا في كل شيء قبل ذلك وفيما بينهما، ثم قررنا أن نتبنى تيار “اليقظة”، ونغير الاسم إلى وزارة الدفاع. لذا سنصبح وزارة الحرب”.

كان ترمب يتغزل بهذا الاسم الذي لا يتناسب مع العصر للمؤسسة العسكرية الأقوى في العالم منذ أوائل هذا الصيف، عندما بدأ يشير إلى هيغسيث، المذيع السابق في قناة “فوكس نيوز”، والرائد السابق في الجيش، بـ”وزير الحرب”.

بيت هيغسيث… “جنرال البنتاغون” التلفزيوني
لا شك أن هذا أسعد هيغسيث، الذي كرس معظم نشاطه العام للدافع عن تعبير أكثر عدوانية عن التقاليد العسكرية الأميركية، بما في ذلك الضغط من أجل تبرئة مجرمي الحرب المدانين والشكوى من دمج النساء والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية في القوات المسلحة الأميركية.

الآن، سيتمكن من استخدام اللقب القديم الذي كان يحمله كينيث رويال عندما ألغي في سبتمبر (أيلول) 1947.

لكن مسؤوليات هيغسيث لا تزال تفوق بكثير مسؤوليات وزارة الحرب السابقة، التي كانت حتى يوم توقيع ترومان على قانون الأمن القومي لعام 1947 مكلفة فقط بالإشراف على الجيش الأميركي وسلاح الجو الأميركي التابع له آنذاك.

وقد فصل هذا القانون التاريخي سلاح الجو ووضعه، إلى جانب الجيش والبحرية (ومعهما سلاح مشاة البحرية)، ليكون تحت إشراف مسؤول واحد في الحكومة.

هل كان ذلك لأن ترومان كان من أنصار تيار “اليقظة”؟

ليس تماماً.

كان إنشاء وزارة الدفاع جزءاً من إدراك ترومان والكونغرس في ذلك الوقت أن عالم ما بعد الحرب، وهو عالم نووي، يتطلب الردع ليكون أساساً للعلاقات بين القوى العظمى المتنافسة.

في عصر كانت فيه الأسلحة الذرية، ولاحقاً الأسلحة النووية الحرارية الأكثر قوة، تهديداً دائماً، كان الهدف من البنية التي بدأ بناؤها عام 1947 هو تأمين الولايات المتحدة والتحالف الديمقراطي الغربي من خلال منع الصراعات الصغيرة من الخروج عن السيطرة.

كما كان ذلك جزءاً من سلسلة من الإجراءات الأخرى التي اتخذت في أعقاب تلك الحرب العالمية المدمرة لمنع وقوع حرب أخرى، بما في ذلك إنشاء الأمم المتحدة وحلف شمال الأطلسي ومنظمات دولية أخرى متعددة الأطراف.

ومنذ ذلك الحين، اندمجت الولايات المتحدة بصورة وثيقة مع حلفائها وأنشأت دفاعات متعددة المستويات في مجالات لم يكن ترومان ليحلم بها عام 1947، بما في ذلك الفضاء الإلكتروني والفضاء الخارجي.

على النقيض من ذلك، فإن رؤية ترمب للعالم ومواقفه السياسية مبنية على رفض كل ذلك تقريباً لمصلحة العودة إلى عصر أكثر عدوانية عندما كانت القوى العظمى تتصارع على خلافاتها في عالم ما قبل العصر النووي.

قال لورانس ويلكرسون العقيد المتقاعد في الجيش الأميركي الذي شغل سابقاً منصب كبير الموظفين في وزارة الخارجية (ورئيس الأركان المشتركة السابق) كولن باول لـ”اندبندنت” إن قرار ترمب “قد يكون خطوة سيئة للغاية إلى الوراء” لأنه “يضفي طابعاً رسمياً على ما يرى العالم أن ترمب يفعله بصورة أساسية، أي إرساء الإمبراطورية الأميركية بشكل أساسي وحصري وبصورة متزايدة على القوة العسكرية”.

وأضاف “هذا ليس تصوراً يجب أن نعززه مع بقية العالم”، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة “تتخلف” في السباق لتعزيز التحالفات في عالم حديث متغير باستمرار قد تهيمن عليه قريباً الصين الصاعدة وروسيا الناهضة.

وأعرب ويلكرسون، وهو من قدامى المحاربين القدامى في حرب فيتنام والذي برز كناقد للغزو الأميركي للعراق بعدما أعد باول لعرض القضية أمام مجلس الأمن الدولي عام 2003، عن عدم ارتياحه للرؤية العالمية التي عبر عنها ترمب – وخاصة هيغسيث – والتي ترى أساساً أن القوة الوحيدة المهمة هي القوة الصلبة وأن القوة الناعمة التي ألهمت بها الولايات المتحدة حلفاءها وجذبت بها أصدقاءها على مدى الـ80 عاماً الماضية هي للجبناء والمخنثين والمتخاذلين.

وبدا أن هيغسيث يردد هذا القلق بالذات حين تحدث بعد كلمة ترمب في المكتب البيضاوي، عندما تفاخر بأن هذه الخطوة تتعلق “باستعادة روح المحارب، واستعادة النصر والوضوح كغاية نهائية، واستعادة الإرادة الواعية في استخدام القوة”.

وقال هيغسيث الذي تعهد “تنشئة المحاربين وليس فقط المدافعين”، “سنذهب إلى الهجوم، وليس فقط إلى الدفاع، إلى أقصى درجات الفتك وليس إلى الشرعية الفاترة إلى التأثير العنيف وليس إلى الصواب السياسي”.

كان المعنى الضمني الواضح أن “الدفاع” كمفهوم يشير إلى الضعف و”الحرب” تعني القوة.

ويبدو أن هيغسيث، وهو من قدامى المحاربين في العراق وأفغانستان، لم يتذكر شعار الفرع الذي خدم فيه ذات يوم، وهو “هذا ما سندافع عنه”.

لكن المذيع التلفزيوني السابق، وهو أقل وزراء الدفاع خبرة منذ إنشاء هذا المنصب، قد يحصل على أمنيته في تكريس استخدام القوة بصورة متزايدة.

لأن تفكيك ترمب لمؤسسات أخرى في مرحلة ما بعد الحرب بما في ذلك الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وقطعه لبث إذاعة صوت أميركا وتجريده لمليارات الدولارات من موازنة المساعدات الخارجية لوزارة الخارجية، كل ذلك يجعل مرجحاً أن يجد البنتاغون – أياً كان اسمه – نفسه في حرب عاجلاً، وليس آجلاً.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى