رأي

وحدة الصين حيوية لها

كتب عبدالاله بلقزيز في صحيفة الخليج:

منذ نجاح ثورتها، قبل ثلاثة أرباع القرن، حتّى اليوم تُلِحّ مسألة الوحدة القوميّة على سياسات الصّين، وتفرض نفسَها بما هي المسألة المعيار التي تقاس بها مواقف دول العالم وتحدِّد سياسات الصّين حيالها. ولقد وُضِعتْ هذه المسألة – وحوفِظَ على مركزها دائماً – على رأس جدول السّياسات العليا الصّينيّة في جميع العهود السّياسيّة المتعاقبة منذ عهد ماوتسي تونغ إلى عهد شي جين بينغ، فلم تَنل من أولويّتها أي أولويّة سياسيّة أخرى في تجربة الصّين الحديثة.

ليس في تمسُّك السّلطة والحزب والشّعب في الصّين بوحدة الأمّة وحقِّها في السّيادة على كلّ أراضيها ما يبعث على الاستغراب؛ فهو، ابتداء، تَمَسُّكٌ بِحقٍّ تاريخيّ لا يسقط ولا يتقادم مع الزّمن، ولا يمكنه أن يكون موضعَ مفاضَلات أو مزايدات أو مناقَصات بين النّخب السّياسيّة في الصّين. وهو – إلى كونه حقّاً في التّوحيد – شديد الاتّصال بالأمن القوميّ الصّينيّ وبالحاجة إلى حمايته من أخطار خارجيّة (أمريكيّة خاصّة) قد تتوسّل الكيانات المُقْتَطَعة من الصّين موطئ قدمٍ للعدوان على ذلك الأمن أو للضّغط عليه، ناهيك باتّصاله بمشروع البلاد التّنمويّ وحاجة الدّولة إلى كلّ مكوِّناتها الكيانيّة في هذا المشروع لتعظيم ممكناته، وتعزيز قدراتها في المنافسة الدّوليّة الاقتصاديّة والعلميّة والتّقانية.

هذا التّمسك المُذْهل بالوحدة الكيانيّة للصّين، لدى الدّولة والشّعب، وتسخيرُ القوى والموارد كافّة في سبيل ذلك (بما فيها علاقات الصّين بأيّ دولة في العالم)، هو ما أنْجح مسعى الصّين في استدرار اعتراف الدّول الكبرى بوحدتها مبدئيّاً؛ من طريق مقولة «صين واحدة»، في انتظار أن تستكمل عمليّة استعادة الأجزاء المفصولة عنها؛ وهو ما فعلتْه باستعادتها سيادتَها على هونغ كونغ وعلى جزيرة ماكاو نهاية تسعينات القرن العشرين، وما تسعى إلى تحقيقه مع تايوان متحدّية التيّار الانفصاليّ (في تايوان) والقوى الغربيّة الداعمة له من وراء ستار، وعلى رأسها الولايات المتّحدة.

مشكلة الصّين مع وحدتها الكيانيّة هي عينُها مشكلةُ أممٍ أخرى: مشكلةُ مواريثَ تاريخيّةٍ نهض فيها الاستعمار الغربيّ بالدّور الرئيس في تجزئة الأوطان مباشرة، أو في تمكين أسباب تلك التّجزئة، بشكل غير مباشر، من طريق تجنيد القوى الانفصاليّة المحليّة لذلك وتغذيتها. والغالب على مثل هذه المشكلات المنحدرة من الماضي والمتولِّدة من مواريثه أنّها كثيراً ما تستفحل وتتفاقم – مع تراكُم الأحقاب – لتستعْصي على أيّ حل. والنّتيجة أنّ استمرار الكيانات المجزَّأة يغدو رهين الدّعم والتّغذيّة الأجنبيّين الدّائميْن. هذا ما حصل في العديد من البلدان وما يحصل في الصّين، خصوصاً في هذه السّنوات الأخيرة التي بات عليها فيها أن تحميَ تنميتها وأمنها القوميّ من الأخطار الخارجيّة التي تمثّل الدّول الحامية للحالة الانفصاليّة التّايوانيّة مصدرَها الرّئيس؛ وهي دول (غربيّة) باتت تتوحّد تحت عنوان مواجهة التّهديديْن الكبيريْن للنّظام الدّولي: الصّين وروسيا.

على أنّ المسافة المتبقية أمام بلوغ الصّين هدفَ استكمال وحدتها الكيانيّة باتت قليلة جدّاً. وقد لا يحتاج قطْعُها والوصول إلى نقطةِ نهايتها إلى أيِّ تغييرٍ في السّياسات وأساليب العمل، على الرّغم ممّا تتعرّض له، باستمرار، من استفزازاتٍ كثيرة ومنها الإرسال المستمرّ لِحشودٍ عسكريّة أمريكيّة على حدودها وداخل مياهها الإقليميّة ( بحر الصّين الجنوبيّ). إنّ قوّتها الاقتصاديّة والتّكنولوجيّة والعلميّة المتزايدة وحدها تكفيها كي يتعزّز بها جانب مطالبها في استكمال وحدتها؛ ووحدها تكفيها كي تجذب تايوان إليها، وخاصّة مع تزايُد الشّعور في العالم بتراجع مركز الولايات المتّحدة الأمريكيّة وقوّتها في النّظام الدّولي.

وقد يكون الاستعراض الفولكلوريّ الأمريكيّ للقوّة على حدود الصّين تعبيراً بليغاً عن عجز السّياسة الأمريكيّة في منع الصّين من استكمال وحدتها، والتّغطية عليه بإشهار القوّة، بل مَن أدْرانا أنّه استعراضٌ مصروف إلى إبلاغ حكام تايوان رسالةَ إنذارٍ أمريكيّ من أيّ تَقارُبٍ مع الصّين يفتح الباب نحو استعادة الصّين هذه الجزيرة على نحوٍ سلميٍّ وداخليّ!

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى