رأي

وثائق ما بعد التحرير

كتب د. محمد حسين الدلال في صحيفة القبس.

تفصلنا أيام قليلة عن الأعياد الوطنية لدولة الكويت، 25 و26 فبراير، وهي ذكرى تتداخل فيها مشاعر مختلطة ما بين ضيق الدنيا أثناء فترة الغزو الى سعة رحمة الله بالخلاص والتحرير، وتتخللها مشاعر الخروج من قيد الوصاية أو الاحتلال الى نعمة الاستقلال والحرية، وتستمر سنوياً معنا مشاعر وأفكار متضاربة تتعلق بمدى تراجعنا أو استفادتنا إيجاباً من تجارب وخبرات ودروس الاستقلال والتحرير.

سطّر أهل الكويت رؤاهم وتطلعاتهم بعد تحرير الكويت من الغزو العراقي الغاشم في عدد من الوثائق والبيانات الرسمية والشعبية، وتعد تلك الوثائق شاهداً على تقييم أهل الكويت لمرحلة ما قبل الغزو، ومرحلة الغزو، والمراحل التاريخية لما بعد الغزو، وقد عمدنا الى تسليط الضوء على بعض مضامين عدد من الوثائق التاريخية وانعكاسها على واقعنا المعاصر.

الوثيقة الأولى

التقرير الختامي للجنة تقصي الحقائق البرلمانية عن موضوع الغزو العراقي الغاشم على دولة الكويت، الصادر في عام 1995، ومن أهم ما تضمنته تلك الوثيقة البرلمانية الإشارة الى مرحلة ما قبل الغزو الغاشم من حل غير دستوري، عُطلت فيه الحياة البرلمانية، وتم فيها تكميم الحريات الإعلامية، حيث أثار التقرير في هذا الصدد «وهكذا اختفى الرأي الآخر، وضاع أسلوب الحوار، وحُرم الشعب الكويتي من أي وسيلة لمراقبة السلطة التنفيذية أو متابعتها أو مساءلتها»، وتطرق التقرير الى قيام السلطة التنفيذية في تلك الفترة بإنشاء مجلس وطني استشاري، والتقرير يشير الى موقف قطاعات عريضة من الشعب الكويتي في ذلك التاريخ، عارضت سياسياً وشعبياً توجهات السلطة التنفيذية المخالفة للدستور، وقد واجهت السلطة التنفيذية هذه المعارضة بالصراعات والاعتقالات، على حد قول التقرير. وأورد التقرير أن هذا الصراع «أوحى الى النظام العراقي بوجود انشقاق في الجبهة الداخلية يسهل له عملية الغزو»، وأكد التقرير أنه على الرغم من ذلك كله، وما صحب الغزو من مرارة وألم ومعاناة، فإن الشعب الكويتي ظل متمسكاً بثوابته الدستورية مدافعاً عن وطنه ومكتسباته (انتهى).

والشاهد من الاستدلال السابق بيان مدى وفاء الشعب الكويتي لقيادته الشرعية، وتمسكه بحياته الدستورية والمشاركة الشعبية في إدارة الدولة، فلا مجال في ظل التجارب التاريخية لإعادة تجارب مريرة وفاشلة، يدعو لها البعض في حاضرنا المعاصر لتعطيل الحياة الدستورية، وإدخال البلد وأهله من جديد في أجواء الخلاف والصراع في ظل أجواء إقليمية ودولية معاصرة عالية المخاطر.

الوثيقة الثانية

وثيقة صادرة من بعض أبناء الأسرة الحاكمة في عام 1992، وهي وثيقة مهمة من حيث ما احتوت من مضامين، وأهمية من قام بإصدارها، ومن أبرز مضامين تلك الوثيقة ما اتفق عليه الموقعون عليها على من جملة قضايا ومطالبات، أبرزها «نبذ أي تمييز طائفي، أو عائلي، أو مذهبي، وأن الكويت كل واحد، فيه المواطنون سواسية كما حدد الدستور ونظمته القوانين، وبرفض التصنيف الفئوي للمجتمع الكويتي الى درجتين، والدعوة الى توحيد الحقوق والواجبات للجميع..». والشاهد أن الوثيقة التاريخية تظهر رأي شريحة مهمة من بعض أبناء الأسرة الحاكمة، تنظر بعين الحكمة والتوازن الى أهمية وحدة الصف الكويتي بجميع طوائفه وشرائحه، وتنبذ صور التفرقة الاجتماعية والقانونية، وتلك حكمة يتطلب الاستفادة منها في ظل أصوات معاصرة تدعو للتفرقة الاجتماعية والقانونية.

الوثيقة الثالثة

وثيقة رؤية مستقبلية لبناء الكويت 1991، قام بإصدارها عدد من رجالات الكويت وقادتها في المجالات السياسية والاجتماعية، وذلك بعد التحرير، تضمنت عدداً من الرؤى المهمة لبناء الكويت ما بعد التحرير على مستوى أداء السلطات الدستورية، وفي إطار النهوض الاجتماعي والتعامل مع المتغيرات الخارجية، وقد لفتت نظري فقرة مهمة، تضمنتها مطالب تلك الوثيقة في إطار إصلاح الإدارة التنفيذية، حيث طالب الموقعون على الوثيقة «بالانفتاح على جميع القوى الشعبية بكل فئاتها السياسية والاجتماعية باعتبارها أسرة واحدة، ليختار للوزارة الأقدر على مهامها، والأكثر إيماناً بأنها عهد وأمانة، وتكليف لا تشريف، وخدمة وعطاء وليست سيادة واستغلال، لكي تتحقق شعبيتها، ومبدأ تداولها، لنضمن حاضراً تتبدد فيه كل الظنون وتطمئن النفوس»، وتعد تلك الوثيقة من أهم الوثائق الشعبية المتميزة في تلك الفترة التاريخية وفقاً لما تضمنته من مطالب ورؤى، ومشاركة نوعية لإصدارها من رجالات الكويت، وهي من الوثائق التي يجب استحضارها ودراسة مضامينها بين حين وآخر من أجل تحقيق السعي المنشود لتصحيح المسار.

إن الوثائق التاريخية السياسية في تاريخ الكويت المعاصر لها أهمية كبيرة، فهي شاهد يحاكي الماضي والحاضر، وهي إحدى الوسائل المهمة لتقييم جوانب النجاح والفشل في السياسات العامة للدولة والمجتمع عبر الزمن، وهي باب لقراءة الماضي بهدف الاستفادة منها في المستقبل، وحريٌ بأهل الكويت الاستفادة من الوثائق التاريخية، التي مازال عديد من مضامينها حاضراً في واقعنا المعاصر، مما يتطلب من جميع أهل الكويت التفاعل والعمل بها.

ختاماً، نهنئ سمو أمير البلاد حفظه الله، والشعب الكويتي والمقيمين، بأعياد الكويت بالاستقلال والتحرير، سائلين الله دوام الأمن والأمان والاستقرار والازدهار للكويت وأهلها.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى