صدى المجتمع

واقع حركات المناصرة البيئية المرير

إن تنفيذ الحملات عمل لا طائل منه في أفضل الأوقات. لا يحقق سوى عدد قليل جداً من الحملات ما يسعى إليه، وكثيراً ما يكون قياس النجاح صعباً على أي حال. لكن وفق أي مقياس معقول، أثبتت جهود الناشطين البيئيين في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات من القرن الـ20 أنها غير فاعلة بصورة محبطة.

في ذلك الوقت، كانت فكرة الاحترار العالمي مقبولة بالقدر الكافي إلى درجة لم تعد معها مجرد فرضية هامشية. كان هناك مشككون كثر (لا يزال هناك بعضهم)، لكن الإجماع العلمي كان واضحاً على أن مناخ الأرض كان يزداد سخونة – وكان ثمة سبب كاف للاشتباه في أن ذلك كان راجعاً إلى النشاط البشري. حتى الرئيس الأميركي المحافظ جورج بوش الأب التزم عام 1990 المبدأ الوقائي: إن افتراض أن الاحترار العالمي كان يحدث قبل أن يثبت خطأ ذلك أفضل من افتراض أنه لم يكن يحدث قبل أن يثبت خطأ ذلك.

والآن في 2023، مع تسجيل درجات حرارة قياسية في جنوب أوروبا وصدور تقرير عاجل إضافي من “الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ” يفيد بأن أمامنا بضعة أعوام فقط لتجنب نقطة تحول كارثية، لا يزال التقدم ضعيفاً في صورة يُرثَى لها. وأمامنا بضع سنوات فقط لنستمر بتجاهل المشكلة. بصرف النظر عن نجاحات طفيفة، فشلت الحركة البيئية، بالتأكيد في ما يتعلق بتغير المناخ، وعلى نطاق أوسع في زرع الوعي بالانبعاثات والموارد وأهمية الطبيعة في أذهان المواطنين.

هناك أمثلة لا حصر لها على التقدم في الاتجاه الخاطئ، وكثير منها على مستوى منخفض لكنه يشكل صورة دامغة. عام 1990، كانت أبواب معظم محال البيع بالتجزئة في بريطانيا تغلق للحفاظ على الدفء في الداخل، حتى عندما تكون المتاجر مفتوحة – هذه الأيام لا يجرؤ سوى قليل منها على إغلاق أبوابه، حتى في طقس الشتاء المتجمد. ما هي كلفة ذلك على صعيد الانبعاثات غير الضرورية؟ لماذا تبنى العقارات السكنية الحديثة بعيداً من محطات سكك الحديد، فتكرس بذلك اعتمادنا على السيارات؟ أصبح الآن إبقاء محركات المركبات شغالة فيما المركبات لا تتحرك غير قانوني، لكن من يراقب ذلك أو يفرضه؟ لماذا لا تبنى الوسائل الخاصة بتوليد الطاقة المتجددة وإعادة تدوير “المياه الرمادية” [المياه المبتذلة النظيفة نسبياً كتلك الناتجة من غسل الأيدي] في صورة قياسية مع المنازل الجديدة؟

لا تزال إذاً قرارات عدة تتخذ على أساس أن الطاقة والمواد غير محدودين. يمكننا أن نلوم الشركات الكبرى على الضغط على الحكومات لاتخاذ قرارات سيئة، لكن الحركة البيئية فشلت في مخاطبة وعي المواطنين بطريقة تجعل هذه القرارات غير مجدية سياسياً. بعد مئة سنة من الآن، سينظر الناس إلينا بالازدراء نفسه الذي نكنه للمتقاعسين في الماضي الذين عرقلوا إلغاء العبودية وتصويت النساء.

إن افتراض أن الاحترار العالمي كان يحدث قبل أن يثبت خطأ ذلك أفضل من افتراض أنه لم يكن يحدث قبل أن يثبت خطأ ذلك

تعود الحركة البيئية لمئات السنين، لكن بوصفها استجابة للمشكلات الصناعية الحديثة، لم تبدأ إلا عام 1962 عندما كشف كتاب راشيل كارسون الرائد “ربيع صامت” Silent Spring عن الأضرار التي تلحق بالزراعة بسبب المبيدات الحشرية. في أواخر ستينيات القرن الـ20، اقترح مركز بحوث “نادي روما” [يُعنى بالتحديات العالمية مثل الاحتباس الحراري] حدوداً لمقدار النمو الاقتصادي المستدام، وفي وقت مبكر من عام 1971 أصدرت سويسرا تعديلاً دستورياً لحماية الغابات، إذ توافرت في ذلك الوقت أدلة موثوقة على أن التلوث الناجم عن النقل البري كان يقتل الأشجار التي تحمي قرى جبال الألب من الانهيارات الثلجية.

في بريطانيا، أُطلق حزب الشعب الذي أعيدت تسميته لاحقاً باسم “حزب البيئة” (سلف حزب الخضر) عام 1973، لكن أعواماً مرت قبل أن يصبح النقاش البيئي جزءاً من النقاش السائد. وفي سبتمبر (أيلول) 1988، ألقت رئيسة الوزراء مارغريت تاتشر، وهي خبيرة في الكيمياء فهمت علم المناخ، خطاباً أمام الجمعية الملكية حذرت فيه من ظاهرة الاحترار العالمي. وقالت: “من الممكن أن نكون قد بدأنا عن غير قصد تجربة ضخمة مع نظام هذا الكوكب نفسه”، وخلصت إلى القول إن “حماية هذا التوازن في الطبيعة هي بذلك من التحديات الكبرى في أواخر القرن الـ20”.

أطلق ذلك العنان للاهتمام الكامن بالمسائل البيئية الذي كان حتى ذلك الوقت مقتصراً على الجماعات الهامشية. وقفز عدد الأعضاء في المنظمات غير الحكومية القائمة مثل “غرينبيس” و”أصدقاء الأرض” و”الصندوق العالمي للطبيعة” و”جمعية الريف الخيرية” وغيرها، وأنشئت مجموعة من جماعات الحملات البيئية الجديدة الأصغر. وكنتُ جزءاً من هذه النهضة ذات الاهتمام الطبيعي، إذ أطلقتُ “جمعية النقل البيئي” Environmental Transport Association في أبريل (نيسان) 1990، وساعدت في تأسيس “الاتحاد الأوروبي للنقل والبيئة” – وكلاهما لا يزال فاعلاً.

على هذا النحو، أشاركُ في تحمل اللوم على فشل الحركة البيئية في زرع الشعور بالمسؤولية البيئية الشخصية في المجتمع. معظمنا لدينا في منازلنا بعض المنتجات “الخضراء” (أو، بصورة أكثر دقة، “الأقل ضرراً بيئياً إلى حد ما”)، لكننا لا نزال نركب سياراتنا التي تعمل بالوقود الأحفوري لننتقل إلى النادي الرياضي حيث نركب دراجة تمرين في حين كان بإمكاننا حرق السعرات الحرارية نفسها بركوب دراجة هوائية.

بالطبع، ليس الأمر متروكاً لنا فقط. نحن بحاجة إلى تبني بلدان أخرى الوعي البيئي، علماً أنه من الصعب العمل مع دول مثل الصين، والهند تحت قيادة ناريندرا مودي، والبرازيل عندما كانت تحت قيادة جايير بولسونارو ودول أخرى.

لكن لماذا يتعين على العالم النامي أن يبطئ التقدم المادي قبل أن يتخذ العالم المتقدم الذي ولّد الفوضى الأصلية أي إجراء علاجي؟ حتى اندفاعنا نحو السيارات الكهربائية يولّد إمبريالية جديدة، إذ تأتي معادن نفيسة عدة نحتاج إليها لصنع بطاريات السيارات من بلدان في العالم النامي سنستغلها في نهاية المطاف. مرة أخرى، نفشل في إثبات الحجة بصورة فعلية. والآن يجني ريشي سوناك رأسمالاً سياسياً من معارضة إقامة مناطق منخفضة الانبعاثات ومن منح تراخيص للتنقيب عن النفط.

هناك مستقبل للحركة البيئية، لكن الحركة لم تقترب من تبنيه، ناهيك عن تأطيره. هي بحاجة إلى وضع صورة واقعية لكن متفائلة للمستقبل.

تأتي الواقعية في إيصال رسالة مفادها بأن التكنولوجيا لن تحل المشكلة. قد تساعد في هذا الصدد، وقد تشتري لنا بعض الوقت، لكنها لن تقوم بالمهمة بمفردها. ستكون هناك حاجة إلى تغيير سلوكي، يجب أن تتغير الطريقة التي نعيش بها حياتنا – لا يمكننا ببساطة أن نأمل في أن تزيل آلة ما أو اختراع ما المشكلة. فالمشكلة مشكلتنا التي يجب أن نتحمل المسؤولية عنها.

ليس من الضروري أن يكون هذا نبأ سيئاً، ومن هنا يصدر التفاؤل.

كثيراً ما يبدو الظهور الإعلامي للحركة البيئية سلبياً: انتقاد للحكومات أو الشركات لاتخاذ قرارات معينة، أو التحذير من كارثة وشيكة. يربط ذلك العمل البيئي بالقتامة.

إذا تمكنت الحركة البيئية من تسليط الضوء على منافع المجتمع المنخفض الكربون – حيث المشي أو ركوب الدراجات لمسافات قصيرة يكون أفضل للصحة والتفاعل الاجتماعي، حيث الشوارع السكنية غير المتكلة على السيارات تعمل لتحسين نوعية الحياة، والاستمتاع بالرضا الناتج من استهلاك المنتجات قرب مكان إنتاجها، وما شابه – يمكن أن تبدأ بجعل الناس يستثمرون في الحاجة إلى خفض انبعاثات الكربون.

سيحتاج ذلك إلى العمل مع [الإنجازات العلمية] العلم (وكذلك مع الحكومات والتكتلات الحكومية الدولية) لضمان أن تفعل الجهود المبذولة بالفعل ما هو مطلوب لخفض الانبعاثات إلى المستويات التي نحتاج إليها لدرء تغير المناخ الكارثي.

وستحتاج إلى أن تؤكد للناس جميعاً أننا إذا أردنا الحفاظ على عدد من منافع حضارتنا التكنولوجية المثيرة للإعجاب للغاية، علينا التوفيق بينها وإملاءات الطبيعة للعيش في وئام مع بيئتنا.

إذا تمكنت الحركة البيئية من تحقيق هذا النهج المزدوج، قد ينتهي الأمر بها إلى أن تصيب نجاحاً أكبر بكثير مما أصابته على مدى الأعوام الـ35 الماضية.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى