
حسين زلغوط, خاص- “رأي سياسي“:
في الوقت الذي يعيش فيه العالم مرحلة من المتغيرات، والتحولات، على صعد متعددة، يشتد السباق بين الدبلوماسية و”قرقعة السلاح” على الخط الأميركي- الإيراني ومع كل منهما حلفائه على خلفية منع طهران من استكمال برنامجها النووي.
وقد بدأت تطلق سيناريوهات من هنا وهناك حول شكل الحرب التي تقرع طبولها، وما يمكن أن يأتي نتيجتها على مستوى العالم، ومن بين هذه السيناريوهات المستحدثة ما كشفته تل أبيب وطهران معًا، بعد رفع الرئيس الأميركي دونالد ترامب من منسوب تهديداته الى الجمهورية الاسلامية الايرانية إلى جانب التدريبات المكثفة التي يجريها سلاح الجو الإسرائيلي، والتي تعد مؤشرات جدية على الاستعداد لتنفيذ هجوم محتمل على المنشآت النووية الإيرانية. ففي الوقت الذي أوردت فيه قناة الـ 14 الإسرائيلية بأن هجومًا واسعًا على الأراضي الإيرانية سيحدث إذا لم يقع تطور خاص، مشيرة إلى أن العملية قد تكون قريبة جدًا، وأن إيران ستتلقى ضربة قاسية لم يسبق لدولة مستقلة أن تعرضت لها منذ الحرب العالمية الثانية. كما سيُوجَّه ضربة قاتلة لمشروعها النووي المستمر منذ عقود، وسيُستهدف الذراع العسكري للنظام، الحرس الثوري الإيراني، بضربة قاسية قد تصل إلى تغيير النظام في البلاد، وأضافت القناة أن الهجوم المحتمل قد يتم تنفيذه من قبل الولايات المتحدة أو إسرائيل أو بشكل مشترك.
هذا التقرير الاسرائيلي قابله تأكيد من قبل مسؤولين ايرانيين بأن هنالك بالفعل معطيات لدى الأجهزة الإيرانية عن تحضيرات إسرائيلية للقيام بتحرك ضد طهران يجبرها على رد يحتم على واشنطن الاصطفاف إلى جانب الدولة العبرية.
وفي إطار خططها للتصدي للعدوان المحتمل، أكد مصدر ايراني أن قيادة الأركان أمرت القوات المسلحة بتركيب آلاف الصواريخ البالستية على بطارياتها لتكون جاهزة للانطلاق، وأن ما يزيد على ألف صاروخ بالستي فرط صوتي من العيار الثقيل تم تصويبها تجاه منشآت نووية إسرائيلية، وهذه الصواريخ لم يتم برمجتها على إحداثيات منشآت ديمونا فقط، بل على عدد آخر من المنشآت الموجودة في وسط الدولة العبرية، حيث تؤكد المعلومات الاستخباراتية أن الإسرائيليين نقلوا برامجهم الاستراتيجية الحساسة إليها، كما صوّبت القوات الإيرانية صواريخها باتجاه قواعد عسكرية أميركية بالمنطقة.
كل هذه المؤشرات في ظل غياب أي وساطات دولية تؤكد أن حدثًا ما سيحصل من شأنه أن يقلب المشهد الحالي رأسًا على عقب، فإما نكون أمام حرب مفتوحة غير معلومة النتائج كون أن أطراف متعددة ستدخل هذه الحرب التي ربما تكون أشبه بحرب عالمية ثالثة، فاليمن والفصائل العراقية و”حزب الله” لن يكونوا على الحياد في حال إندلعت الحرب وفي المقابل فإن أطراف أخرى غير اسرائيل ستسهل للأميركيين عملية ضرب ايران والتي ستتعرض بدورها ان فعلت لهجمات صاروخية ايرانية، وتوازيًا فإن إمكانية الوصول الى اتفاق بين واشنطن وطهران رغمًا عن اسرائيل يبقى أمرًا واردًا سيما وأن الطرفين لم يقفلا بعد باب التفواض والحل السلمي.
ومن المفيد التذكير أن إيران كانت عقدت مع الصين، وروسيا، أمريكا، فرنسا، ألمانيا وبريطانيا مفاوضات “ماراثونية” من 26 آذار لغاية 2 نيسان 2015 في مدينة لوزان السويسرية من أجل التوصل إلى تسوية شاملة تضمن الطابع السلمي للبرنامج النووي الإيراني، وإلغاء جميع العقوبات على إيران بشكل تام. تميَّزت جولة المفاوضات بلوزان بكونها بدأت ثم علقت ثم تواصلت ثم مددت، وبعد مفاوضات معقدة توصلت إيران والدول الست في 2 نيسان 2015 إلى بيان مشترك يتضمن تفاهمًا وحلولًا بما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، على أن يتم إنجازه نهاية حزيران 2015. واعتبرت طهران أن هذا الاتفاق وضع حدًا لحلقة مفرغة لم تكن في مصلحة أحد، فيما وصفته واشنطن بالتاريخي، فيما تباينت بشأن هذا القرار ردود أفعال دول وزعماء العالم بين أطراف وصفته بأنه “تاريخي”، بينما عارضته دول أخرى واعتبرته خطيرا جداً، فيما آثرت دول أخرى الصمت.
لكن الرئيس ترامب وخلال ولايته الأولى أطاح بهذا الإتفاق وفرض على ايران المزيد من العقوبات، ومارس الكثير من الضغوط، وها هو اليوم في ولايته الثانية يعود ليفتح الملف النووي على مصراعية، معتقدًا أن التحولات التي حصلت في المنطقة من شأنها أن تساعده في طي هذا الملف لصالح واشنطن إن عن طريق الحرب أو التفاوض السلمي.




